تفشي ظاهرة تنحي القضاة عن القضايا المهمة: "حالة حرج"!

منذ أسابيع حُوّل ملف اغتيال الكاتب والناشط السياسي لقمان سليم القضائي إلى قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا لمتابعته. إذ كان من المفترض أن يُباشر في تحقيقاته ويُتابع القضية، إلا أنه وجد نفسه أمام مسار آخر، فقرّر عدم الغوص في هذا الملف والتنحي عنه لأسباب خاصة.

"حالة الحرج"
على هذا الأساس، حُوّل طلب أبو سمرا للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، القاضي حبيب رزق الله، وذلك بغية النظر في قرار تنحيه وفي "الأعذار" أو الأسباب التي شرحها وعرضها أبو سمرا للقاضي رزق الله.

ووفقًا لمعلومات "المدن"، فإن رغبة أبو سمرا بالتنحي عن التحقيق في ملف سليم أتت نتيجة شعوره بـ"الحرج"! حاولت "المدن" أن تحصل على إجابات واضحة حول أسباب حالة الحرج التي ستطال أبو سمرا، إلا أن المصادر القضائية البارزة رفضت تقديم أي توضيح وتمنعت عن الإجابة.

في الأسابيع الأخيرة، رصدت "المدن" تشابهًا كبيرًا في الأعذار التي برّرها القضاة بعد تخليهم عن ملفات معينة. وكان الأكثر تداولًا تنحي بعض القضاة عن ملفات قضائية حساسة، "تجنبًا لحالة الإحراج" التي ستصيبهم ولأسباب خاصة، وطلبوا تحويلها لقاض آخر.

أعذار متشابهة
فالأعذار التي قدّمها أبو سمرا، كانت مماثلة إلى حد ما لتلك التي عرضها رئيس الهيئة الاتهامية، القاضي ماهر شعيتو، حين تنحى عن ملف حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، وقد برّر ذلك في طلبه الرسمي الذي قدّمه للقاضي رزق الله، قائلًا: "نعرض التنحي عن النظر في هذه الدعوى نظرًا لما يخلّفه استمرار الواقع الراهن من حالة حرج لدينا، لاسيما في ضوء ماهية الدعوى..".

في الآونة الأخيرة، توجه بعض القضاة للتنحي عن ملفات حساسة بات مألوفًا. فالنائب العام الاستئنافي في بيروت، القاضي زياد أبو حيدر سبق وتمنّع عن الادعاء على سلامة، وتنحى عن الملف، زاعمًا آنذاك بأنه لا يملك الصلاحية النوعية للنظر في ملف سلامة.

هنا تتضح الصورة قليلًا، بعدما بات مكشوفًا أن ملف سلامة القضائي صار عبئًا ثقيلاً على معظم القضاة، لذلك يتمنعون عن متابعته، ويرفضون الاقتراب منه لأسباب كثيرة وأبرزها "لعنة الحرج التي ستحل عليهم"، وكان مستغربًا أسلوب تعاطي بعض القضاة مع سلامة. وهنا يصحّ التذكير بحالة التخبط التي حصلت داخل دائرة التنفيذ في بيروت، حين رفضت القاضية كالين عبدلله تنفيذ الحجز الاحتياطي على عقارات سلامة، وفضلت التنحي عن متابعة النظر بالملف لأسباب خاصة.

في السياق ذاته، وبعد ساعات قليلة على تحويل المطالعة التي أعدها المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات المتعلقة بالتقرير الجنائي لـ"ألفاريز آند مارسيل"، للقاضي زياد أبو حيدر، طالبًا منه البدء بإجراء التحقيقات اللازمة بما يتعلق بمضمون التقرير وفق الصلاحية التي يتمتع بها، تنحى الأخيرعن هذه المهمة أيضًا، معللًا بذلك خصومته مع سلامة.

في النهاية، يبقى التخوف من أن تتحول الملفات القضائية إلى سوق ضيّق، يجري فيه تقاذف القضايا وتحويلها من قاض لآخر، ما سيؤدي حتمًا إلى حلقات لامتناهية من المماطلة والمراوغة، فتُجمّد الملفات وتؤجل إلى مرحلة غير مصرح عنها، خصوصًا في حال تأخر القاضي رزق الله عن البت بطلبات التنحي المقدمة لديه.