تهريبة في مجلس الوزراء بشأن صفائح البنزين للموظفين: المتقاعدون خارج حسابات الحكومة

في لبنان، 120 ألف متقاعد من الوظيفة العامة، 70% منهم من الأسلاك الأمنية والعسكرية، بحسب أرقام «الدولية للمعلومات»، كلّ واحد منهم أمضى في القطاع العام 20 سنة على الأقل، وخلالها دفع ضرائب، وموّل صناديق الطبابة على اختلافها من رواتبه.

وعندما حان التقاعد وجد نفسه رهينة قرارات السلطة السياسية التي أسقطته من حسابات تصحيح الأجور. منذ بداية الأزمة عام 2019 يشي سلوك السلطة بأنّها قرّرت التخلص من متقاعديها تنفيذاً لتوصيات البنك الدولي. الجهة الأخيرة تصف النظام التقاعدي في لبنان بـ«المجزي» أو السخيّ، وطالبت في أكثر من مناسبة، بتعديله وتقليصه ليصبح ذا جدوى مالية، أو بمعنى أدقّ متوازناً بين ما يدخل إليه من أموال وما يخرج منه. وبعكس الموظفين المستمرين في الخدمة، ليس لدى المتقاعدين أي وسيلة ضغط سوى الشارع. وفي حال نجحت تحركاتهم اليوم، لن تُعقد جلسة مجلس الوزراء، لأنهم سيعمدون إلى محاصرة مداخل السراي الحكومي ومنع وصول الوزراء إلى الداخل.

الحكومة تآمرت على المتقاعدين. فأخفت بنداً من جدول أعمالها المكوّن من 25 بنداً، هو على الشكل الآتي: عند إقرار بند زيادة بدل النقل للعاملين في القطاع الخاص من 250 ألفاً إلى 450 ألفاً، بناءً على توصية وزارة العمل، سيُطرح من خارج جدول الأعمال مقترح برفع بدل النقل للموظفين في الخدمة، وفي المقابل يسقط مطلب تعديل الرواتب، وتهرب الحكومة من واجباتها أمام المتقاعدين الذين لن يحصلوا على أيّ زيادة حالياً كونهم خارج الخدمة ولا يحصلون على بدل نقل في معاشاتهم.

وبحسب مصادر «الأخبار» في لجنة «إعادة تفعيل العمل في الإدارات العامة»، يقضي البند الهابط من خارج جدول الأعمال، باستبدال بدل الحضور اليومي المقترح في المشروع السابق، وإعطاء الموظفين عدداً من صفائح البنزين كبدل حضور يومي. يصل عدد الصفائح المقترحة إلى 12 صفيحة يومياً لموظفي الفئة الخامسة، 14 للفئة الرابعة، 16 للفئة الثالثة، 18 للفئة الثانية، وصولاً إلى 20 صفيحة لموظفي الفئة الأولى من المديرين العامين والقضاة، على أن يتقاضى الموظف في آخر كلّ شهر المبالغ الإضافية المستحقة في راتبه الشهري المضاعف 7 مرات. وفي المقابل، ستشدّد الحكومة على الحضور اليومي إلى مراكز العمل، وترفع أيام الحضور من 14 يوماً شهرياً إلى 20 يوماً.

إذاً قرّرت السلطة السياسية تنفيذ حكم الإعدام بالوظيفة العامة، وتنفيذ توصيات البنك الدولي من خلال تدمير حياة المتقاعدين. المقترح الأخير، في حال إقراره، يفقد الوظيفة العامة ميزتها الأهم وهي وجود نظام تقاعدي يحمي الموظف بعد إنهاء سني الخدمة، ويتيح له عيش حياة مقبولة في ظل تقديمات مالية واجتماعية وصحية دفع ثمن الحصول عليها في سني الخدمة. الموظف يدفع من راتبه محسومات تقاعدية قيمتها 8.5% من راتب كلّ شهر بغية تغذية رواتب المتقاعدين الحاليين، وتأمين تقاعده لاحقاً. ولكنّ السلطة السياسية قرّرت تدفيع المتقاعدين ثمن أخطائها، في الوقت الذي لا يتمكّن هؤلاء من العمل بسبب تقدّم عمرهم، بعكس الموظفين في الخدمة، القادرين على مغادرة الوظيفة العامة نحو فرص أفضل.

في المقابل، يرفض المتقاعدون ألاعيب الحكومة بهم وبالموظفين، ويرفعون مطلباً واحداً، «تصحيح حقيقي لسلسلة الرتب والرواتب»، بحسب النقابي محمد قاسم. فـ«الرواتب يجب أن تستعيد قيمتها الشرائية». ورداً على الحجة الحكومية القائلة بعدم وجود واردات، والخوف من البنك الدولي، يشير قاسم إلى «قبول المتقاعدين بتقسيط التعديل على الأجور، إنّما بشرط عدم التمييز بين القطاعات، وهذا الحدّ الأدنى الذي يمكّن الموظف من العيش الكريم، والقيام بالمهام المطلوبة منه»، واصفاً سياسة بدلات الإنتاجية المعتمدة بـ«توزيع الحسنات والرشى»، ورفض قاسم حجة عدم وجود واردات لتمويل تعديل سلسلة الرتب والرواتب، فـ«الحكومة لا تفتّش عن الأموال إلا في جيوب الفقراء».