تهريب البشر من الشمال بأساليب جديدة: سفن نقل البضائع

هدوءٌ تام على جبهة الرحلات غير الشرعية بالمراكب من عكار، منذ نحو الشهرين، فرضه غرق أحد المراكب قبالة شاطئ طرطوس السورية. هذا الهدوء يشبهه البعض بهدوء ما قبل العاصفة، لكنه في الحقيقة هدوءٌ فرضته العاصفة نفسها. إذ إن موسم الشتاء والأمواج باغت المهرّبين، فأوقفوا تسيير رحلات جديدة إلى حين، سيما وأن مركب الموت قبالة طرطوس السورية وما أسفر عنه من قتلى ومفقودين والضجة الإعلامية الكبيرة التي أثارها، قلّب الرأي العام ضد المهرّبين، ومن يقوم بهذه الرحلات، إضافة إلى أن رحلات أخرى مشابهة لم يكتب لها الوصول ولا الغرق لكن ركابها علقوا في تركيا، وإلى الآن لم تتم عودتهم جميعًا إلى بلادهم.

بعد حادثة مركب طرطوس ظنّ البعض أن مراكب الموت والهجرة بهذا الشكل سوف تتوقف نهائيًا. إذ أن الضربة كانت ثقيلة وموجعة، لكنّ كلامًا كثيرًا كان يصدر عن بعض الأهالي، الذين كانوا ينتظرون جثث أبنائهم عند معبر العريضة الحدودي لاستلامها أو التعرّف عليها وعلى مصيرها، كانوا يؤكدون "أنهم في أي لحظة ستتاح لهم الفرصة سيهربون من جديد". هذا الكلام كان يشير إلى أن لا شيء سوف يوقف هذه المراكب، ولو أراد أهل العظة أن يتّعظوا لكان مركب الموت الطرابلسي الذي غرق قبالة ميناء طرابلس قبلها قد حمل لهم كل العظة.

 

عمليات جديدة بمرمى الجيش

بعد حادثة غرق مركب الموت قبالة طرطوس، عمليتا هجرة تم التحضير لهما وإرسالهما إلى أوروبا عبر بحر عكار، تميزتا هذه المرة بتخفيض عدد الركاب من أكثر من مئة إلى ما دون 50 شخصاً في الاثنتين. لكنّ الجيش اللبناني أحبط العمليتين وأوقف من فيهما. وحسب معلومات خاصة بـ"المدن" فإن "الرحلتين ضمتا فلسطينيين وسوريين وبعدد أقل للبنانيين، بمركبين من صنع محلي (في المنطقة)، والمهرِّبون هم من الأسماء الجديدة على الساحة، كانوا ضمن الرحلتين، وهدفهم الخروج وعدم العودة نهائيًا، في محاولة لاستباق موسم الشتاء والعواصف حيث تتوقف الرحلات بشكل كامل، بسبب الطقس. لكن مخابرات الجيش كانت أسرع وأحبطت العمليتين". غير تلك العمليتين لم يتم الحديث عن أي رحلة جديدة، سواء رحلة تم رصدها من الأمن أم رحلة وصلت بركابها إلى مقصدها.

 

واقع الحال لا يوحي بأن هذه الرحلات ستتوقف، ولو أخذت فترة من الراحة. فثمة أشخاص امتهنوا هذه المهنة المربحة بمقابل أشخاص آخرين يائسين يريدون الخروج من لبنان بأي طريقة، وأشخاص عليهم أحكام وفارين من وجه العدالة ويريدون هم أيضًا الخروج بأي طريقة. كما لا تزال الحماسة لدى بعض الشباب للهروب عبر البحر موجودة؛ لكنّ الحديث عن الهروب الكبير في عكار تحوّل بعد حادثة طرطوس من سري إلى سري للغاية، ومن أراد الخروج عليه ألا يذكر ذلك حتى بينه وبين نفسه. هذا ما أخبر به (ر.ح) من إحدى قرى سهل عكّار "المدن" وقال: "نعم سأهاجر ولو بالبحر. وأعلم أن هناك مخاطرة، وأعلم كل قصص الغرق، وأدرك أن الأمور بين احتمال أن نموت أو أن نعيش، ولكن هنا في لبنان ليس هناك إلا احتمال واحد أمام الشباب وهو الموت.. النية عندي قائمة وهناك تواصل مع أحدهم، وأعتقد أن الأمور ستنضج بحدود شهرين أو ثلاثة على الأكثر كما أخبرت".

 

المهرّبون والأساليب الجديدة

قبل أيام سيّر الجيش اللبناني دوريات على طول الحدود البحرية قبالة عكّار، حيث كانت ترصد إحدى السفن ليتبيّن أنها سفينة تركية، ولا شك أن هذه الدوريات البحرية تؤكد أن لدى مخابرات الجيش معلومات عن نية للقيام برحلات ما، أو أن هناك شيئًا ما يحضّر له في هذا الخصوص. في غضون ذلك يشار إلى أن رحلة الهروب إلى أوروبا بحاجة إلى ما يقارب الأسبوعين. وبهذه الأيام، لا إمكانية لأن يهدأ الطقس كل هذه الفترة حتى تتمكن رحلات المراكب الصغيرة من الوصول. وبالعودة إلى حديث (ر.ح) عن أن الأمور ستنضج بحدود شهرين أو ثلاثة، تعززه المعلومات التي تقول بأن المهرّبين لن ينتظروا كثيرًا حتى يعاودوا رحلاتهم، التي تدرّ الدولارات عليهم. وفي معلومات أمنية حصلت عليها "المدن"، فإن "مخابرات الجيش لديها معلومات تفيد عن نية مهرّبين تسيير رحلات هجرة بالبحر بطريقة جديدة عبر استقدام سفن لنقل البضائع إلى قبالة المياه اللبنانية، والتي بإمكانها نقل أكثر من 300 راكب دفعة واحدة، ولا تتأثر بالأحوال الجوية. لكنّ كلفتها على الراكب ستكون أعلى من المراكب العادية. وهي قد تقف على مسافة 20 ميلًا خارج المياه الإقليمية، بينما تقوم مراكب الصيد الصغيرة بإيصال الركاب إلى حيث تواجدها".

 

تجدر الإشارة إلى أن الجيش أعاد في الأيام الأخيرة تخفيف الإجراءات على شاطئ العبدة، في خطوة فسّرها البعض بالتكتيك المخابراتي لتتبع حركات التهريب.