تهميش سياسي للتربية: لا أموال ولا تعليم وإفادات!

كتب ابراهيم حيدر في النهار: 

حتى الآن لا يمكن الجزم بأن الدراسة ستُستأنف في المدارس الرسمية في وقت قريب، بعدما قررت رابطات التعليم الرسمي وفئات المتعاقدين الاستمرار بالإضراب ورفعوا سقف مطالبهم بالتعويض عن الأشهر السابقة بما فيها أيام الإضرابات بحوافز بالدولار الاميركي ومطالبتهم بمنح لا تقل عن 130 دولاراً شهرياً، وبعضهم طالبوا بـ300 دولار مع زيادة بدل النقل وتخصيص سعر "صيرفة" 15 الف ليرة للاساتذة، كشرط للعودة إلى التعليم. أما العامل الثاني الذي زاد من حراجة الوضع، فهو الغاء جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة غداً الخميس للبحث في الملف التربوي وتقديم مساعدات للقطاع لإنقاذ السنة الدراسية، حيث اعتبر الرئيس نجيب ميقاتي أن الملف غير مكتمل وليست هناك جاهزية لمناقشة الموضوع، فأعاد الكرة إلى ملعب وزير التربية عباس الحلبي الذي اعتبر بدوره أن القوى السياسية والحكومة مسؤولتان عن تطيير الجلسة.

لم يعد أمام التربية خيارات كثيرة لإنقاذ السنة الدراسية ومعها التعليم الرسمي عموما وايضاً الجامعة اللبنانية في ظل التهاوي المتسارع لليرة اللبنانية والانهيار الذي أطاح قيمة التقدمات المالية التي مُنحت للمعلمين والموظفين، فأمام الاستقالة الحكومية عن مناقشة أوضاع التربية واتخاذ قرارات تساهم في اعادة الامور إلى نصابها بالحد الادنى وإقناع المعلمين بخفض سقوفهم العالية للمطالب، ستضطر وفق المعلومات إلى مصارحة الرأي العام والمعنيين بأنها ليست قادرة على تأمين الاموال المطلوبة بسبب الشح الذي تعاني منه. والأهم من ذلك أن المساعي التي يقوم بها وزير التربية لتأمين السيولة اصطدمت بحائط مسدود، فلا الجهات المانحة ومنها البنك الدولي توافق على تحويل جزء من القرض البالغ 50 مليون دولار حوافز للاساتذة، ولا القوى السياسية والحكومة ومجلس النواب أيضاً، ويضاف إلى ذلك الإشكالية القانونية في تحويل قرض لحوافز مالية. واصطدمت التربية أيضاً برفض الجهات المعنية تحديد سعر "صيرفة" خاص للأساتذة، ما يعني أن لا أحد يريد توفير أموال لهم على أساس السقف الذي يطالبون به، ويبلغ وفق الحسابات 40 مليون دولار.

المتاح حالياً في التربية مبلغ لا يتعدى 10 ملايين دولار من جهات مانحة مشروط دفعها بالعودة إلى التعليم، يضاف اليها 5 ملايين من صناديق المدارس، فيما البحث يجري لنقل اعتمادات من مشاريع تربوية أخرى عبر صيغ قانونية غير محسومة لا تتعدى 5 ملايين دولار. وهذه المبالغ لا يمكن أن تغطي كل المطالب المالية، حيث عرضت التربية دفع مبلغ 100 دولار شهرياً للأساتذة للأشهر المقبلة إذا عادوا الى مدارسهم و100 دولار مقطوعة عن الاشهر السابقة، مع استمرار السعي لعقد جلسة حكومية يمكن أن ينتج عنها مساعدات إضافية. وعليه تبحث التربية في خفض أيام الدراسة إلى أربعة ايام أو ثلاثة اذا اقتضى الامر لخفض الاعباء مع تقليص المنهاج الدراسي كي يتسنى تعويض الفاقد التعليمي بالحد الادنى لاستكمال السنة الدراسية. وتراهن في الوقت عينه على تفهّم المعلمين لحجم الأزمة والتعاون لإنقاذ ما تبقى من التعليم الرسمي.

الوقائع تشير إلى أن أزمة التعليم مفتوحة على كل الاحتمالات، طالما أن الحكومة لا تتحمل مسؤولياتها في معالجة الوضع المزري، وفي الوقت نفسه لا يستجيب الأساتذة لما هو متاح من تقدمات والبناء عليه في معركتهم لتحسين أوضاعهم وشروط التعليم. فإذا استمر الإضراب المفتوح، وهو المرجح حتى الآن، واستمرار الحديث عن أموال مخبأة في التربية ورفع شعارات شعبوية لا تؤدي إلا الى مزيد من الغليان، سنكون امام مأزق انهاء السنة الدراسية، بلا تحصيل ولا امتحانات، حتى أن مَنح الافادات لن يكون خياراً ممكناً اذا استقال الجميع من تحمّل مسؤولياتهم، وفي مقدمهم القوى السياسية التي عبثت بالمدرسة الرسمية ووظّفتها مكاناً للتنفيعات، وها هي اليوم تستغل أوجاع الاساتذة لتحصيل مكاسب بشعارات شعبوية لا تحمي التعليم بل تسحبه إلى بئر مظلمة عميقة...