ثلاث ساعات كهرباء.. والطاقة الشمسية ما زالت وهماً

تراجَعَ الجدل حول عدد ساعات التغذية الكهربائية المفترض إنتاجها، وباتت الساعات الثلاث التي تصل إلى المنازل كل يومين أو ثلاثة، هي الخلاصة التي يجب اعتيادها إلى حين تأمين مصادر أخرى من الفيول، تضاف إلى ما تحصل عليه وزارة الطاقة عبر اتفاقية الفيول العراقي.
وأمس احتفى الوزير وليد فياض بقانون الطاقة المتجددة الموزعة الذي أقره مجلس النواب أخيراً.  معتبراً أنه "إنجاز تشريعي كبير، ويشكل محطة مضيئة في تطوير سوق الطاقة المتجددة في لبنان". وأكد "أن إنجاز القانون الفعلي هو تحرير سوق الطاقة المتجددة في لبنان حيث يسمح لكل شركات القطاع الخاص بالاستثمار في مشاريع معامل الطاقة المتجددة وبتوقيع عقود بيع وشراء الطاقة داخل الموقع وبين موقعين متلاصقين بدءا من الآن". مع ذلك، اعترف الوزير أن "بعض مواد القانون في حاجة الى إجراءات تنفيذية وضعت وزارة الطاقة والمياه خريطة طريق لها بالتعاون مع مؤسسة كهرباء لبنان"، وأشار الى "الدورالكبير الذي أناطه القانون بالهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء".

هذا التفاؤل بزيادة الساعات عبر إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، تنفيذاً لمفاعيل قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزّعة، هو ضرب من الخيال، يُضاف إلى مفاعيل الاتفاقيات المعقودة سابقاً مع شركات إنتاج الطاقة المتجددة، والتي ما زالت تبحث عن تمويل دولي لمشاريعها.
وعلى ما يبدو، تراهن وزارة الطاقة على الوقت الممتد حتى العام 2030، وهو السقف الزمني الموضوع أمامها تطبيقاً لالتزاماتها التي تعهّدت بها، سواء في خططتها المتمثّلة بورقة سياسة القطاع، أو الورقة "الميوَّمة" المعتمدة في العام 2019، أو الالتزام بالشراكة مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA بالوصول إلى تحقيق هدف 30 بالمئة كهرباء متجددة بحلول العام 2030.

آمالٌ وهمية
في زحمة الانشغال بالمهام اليومية، يتناسى اللبنانيون أن كهرباءهم تعتمد على المولّدات الخاصة بنسبة تتجاوز 90 بالمئة. وللتخفيف من وطأة هذا الواقع، يتلقّى اللبنانيون من حين لآخر، أوهاماً ترتبط بالحصول على الكهرباء من مصادر متجدّدة.

لكن تتبُّع مسار إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجدّدة، يوصِل إلى نتائج مفادها الوعود فقط، وذلك بسبب عدم رغبة المتحكّمين بقطاع الطاقة، تحريره من لعبة المصالح الخاصة التي تنتعش بتغييب الأطر القانونية الضابطة لإنتاج وتوزيع الكهرباء، وعلى رأسها الهيئة الناظمة للقطاع، والتي يُعَرقَل تعيين أعضائها رغم إقرار إنشائها قانونياً في العام 2002.

قانون الطاقة المتجددة
وبرزَ الاتجاه نحو الطاقة المتجددة كتجميل لسياسات وزارة الطاقة، التي عجزت عن تسيير القطاع منذ أكثر من 10 سنوات، وأصبح من الضروري اعتماد مسار آخر. هذا المسار لم يختلف كثيراً عن ما سبق، فالوعود والإجراءات المجتزأة على قاعدة وضع العربة أمام الحصان، بقيت سائدة. فبرزت خطط إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وجرى تلزيم عدد من الشركات قبل وضع ترتيب الإجراءات القانونية والتقنية اللازمة. وكذلك قبل أن تجد الشركات التمويل اللازم لإنشاء مشاريعها. لكن هذه التعقيدات لم تمنع إخراج الإطار القانوني الضروري الذي يرعى الانتقال إلى الطاقة المتجدّدة، وهو إقرار قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزَّعة، نهاية العام 2023. ومع ذلك، بقي القانون عاجزاً عن نقل لبنان إلى مرحلة الطاقة المتجدّدة.
استقبال عامٍ جديد، لم يشفع بالحصول على كهرباء إضافية. والقانون المفترض به تنظيم الانتقال إلى 30 بالمئة كهرباء عبر الطاقة الشمسية، يفتقد إلى العناصر الداعمة، وفي مقدّمتها إنشاء الهيئة الناظمة للقطاع، إذ على الهيئة "إنشاء قاعدة بيانات لإنتاج الطاقة المتجددة الموزّعة في لبنان والاحتفاظ بها، ويكون للمؤسسة الحق في الاطّلاع الدائم عليها". كما عليها أن "تتلقّى المعلومات المطلوبة من منتجي الطاقة المتجددة الموزعة بشأن البيانات المالية والفنية لأنظمة الطاقة المتجددة العائدة إليها، وأي معلومات أخرى. وتنشىء الهيئة مرصد إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة، يتولّى جمع البيانات والمعلومات المتعلّقة بأنظمة الطاقة المتجددة المطلوبة من منتجي الطاقة المتجددة وتقوم بنشرها وإصدار تقرير المرصد السنوي الذي يقيّم اتجاهات سوق الطاقة المتجددة وتحدياتها ومؤشراتها. وعلى الهيئة أن تصدر الأنظمة والقرارات اللازمة لتطبيق هذا القانون تباعاً وخلال مدة أقصاها سنتين من تاريخ صدوره".
هذه المهام المنصوص عليها في القانون، أساسية لنجاح الانتقال نحو الطاقة المتجددة. لكن حتى اللحظة لم يتم تعيين أعضاء الهيئة، بل تنتقل وزارة الطاقة من موعد لآخر لاستقبال طلبات الترشيح للعضوية.

إصلاحات شكلية
أكثر من ورقة وخطة وضعت لتصحيح مسار قطاع الطاقة، لم تصل إلى مبتغاها بسبب قرار الإبقاء على النهج الحالي، وهو الاعتماد على الفيول لإنتاج الكهرباء، وسط عدم تأمين الاعتمادات المالية لشراء الفيول. واليوم، يبقى الحديث عن الطاقة المتجددة خارج أي سياق فعلي على أرض الواقع، الأمر الذي يفسح المجال أمام التساؤل عمّا إذا كان هناك ما يُبَيَّت في هذا القطاع.

الشكوك تكثر بسبب عدم اتخاذ أي إجراءات عملية مواكبة للانتقال نحو الطاقة المتجددة. فالشركات الخاصة التي يفترض بها إنشاء معامل إنتاج الطاقة المتجددة، ستبيع الكهرباء المنتجة لمؤسسة كهرباء لبنان، والأخيرة واقعة في متاهة مالية هائلة.
الكهرباء ستُباع بتنظيم ومراقبة عبر عدادات ذكية، للمؤسسة تجربة مريرة معها لم تنتهِ فصولها حتى اليوم. كذلك، لم تُحسَم بعد كيف ستُغطّى ساعات التغذية في أوقات الليل. علماً أن وزارة الطاقة في معرض تعاقدها مع 11 شركة خاصة لإنشاء معامل كهرباء على الطاقة الشمسية، لم تسد هذه الثغرة، وأكّدت الشركات أن الطاقة ستقدَّم بمعدّل 5 ساعات يومياً خلال النهار فقط. اما الاتجاه نحو تركيب بطاريات لتخزين الطاقة، فسيجعل كلفة الكهرباء أكبر.
مؤسسة كهرباء لبنان في هذه الدوّامة، ستصبح "شاهد زور"، تقول المصادر. إذ ستصبح الشركات الآمر الناهي، وستقرّر هي متى وكم تعطي من الطاقة. فبحسب القانون "لا تتحمّل المؤسسة أية مسؤولية كانت تجاه المشتركين، المستهلكين والمنتجين والغير، عن أي حادث مهما كان يحصل في منازل المشتركين/ المستهلكين أو في منشآت المنتجين، أو في أي من التجهيزات المرتبطة بنظام التعداد الصافي، ما لم يثبت أن على المؤسسة مسؤولية مباشرة عن هذا الأمر. ولا يترتّب أي مسؤولية على المؤسسة، مباشرة أو بشكل غير مباشر نتيجة التقنين مهما كان سببه ونتيجة عدم قدرة المنتجين و/ أو المشتركين على توريد الطاقة المنتجة إلى الشبكة العامة من أنظمة الطاقة المتجددة العائدة لهم".
والحديث عن التقنين وعدم مسؤولية المؤسسة عنه يعيد إلى الأذهان تحكُّم أصحاب المولّدات الخاصة بالمواطنين في ظل غياب كهرباء الدولة. لكن في جميع الأحوال "يبقى قانون الطاقة المتجددة إصلاحاً شكلياً وسط خراب القطاع. فلا كهرباء من الطاقة الشمسية في المستقبل القريب".