جباية كهرباء لبنان: جمال باشا "الجزار" القرن الـ 21

بدأت "ما تبقى" من دولةٍ باعتمادِ حلولٍ قد تكون ضرورية لتمويل الهدر الحاصل من جرّاء الفساد المتراكم عبر السنوات، فتارةً تقوم الوزارات "الإنتاجية" على غرار "الطاقة" برفع التعرفة التي من المُفترض أن تتقاضاها بشكلٍ عادلٍ من كافّة المناطق اللبنانية، وتُعلن عن عجزها طوراً و"تشحذ" سلفات خزينة بذريعة تأمين أسوأ أنواع الفيول، الأكثر كلفةً والأكثر تلوثاً. أمّا اللافت بالأمر فهو لجوء جوقة الفشل هذه إلى جيوب المواطنين في كلّ مرّةٍ لتفادي كوارث أكبر، وأقرّ اليوم مجلس إدارة كهرباء لبنان تعديل قيمة الرّسوم في المواد رقم 6, 7, 11, 15, 17, 24, 25, 29, 31، 32، 34، 40، 41’ 43, 44, 46, 47, وفي الجداول الملحقة بنظام الاشتراك بالتيار الكهربائي الصادر بموجب الأمر التنفيذي رقم 255 تاريخ 16/04/2010 وتعديلاته.


ما تقوم به "مؤسسة" كهرباء لبنان يمكن تبريره فقط بوجود إصلاحاتٍ نقدية ومالية عبر تشريعاتٍ في البرلمان وقوانين في مجلس الوزراء تُحتّم العمل بخطّة إنقاذ حقيقية وشاملة لتعافي الإقتصاد اللبناني بشكلٍ كاملٍ، أي بمنطق يسمح للمواطنين أن يكون لديهم القدرة على تسديد الفواتير الحقيقية والعادلة نسبةً للإستهلاك، أمّا ما يحصل على أرض الواقع اليوم فهو ليس إلّا عملية ترقيع جديدة وسرقة على حساب المناطق التي لم تتوانَ بدفع ضرائبها للدولة المركزية الفاشلة والعاجزة عن الإصلاح.. وكيف للمفسدين أن يصلحوا ما جنته أيديهم؟


أرقام خيالية مُقابل إنتاجية "صفر"تقريباً 
نكسة فواتير كهرباء "الدّولة" أتت كالصاعقة على جيوب الشعب اللبناني اليوم، ومؤسسة كهرباء لبنان تتقاضى عن أشهر بداية العام مبالغ خيالية مُقابل ساعات التغذية حينها التي لم تتخطَّ الـ60 دقيقة في الـ24 ساعة يومياً، أمّا اليوم فأقرّ مجلس إدارة "المؤسسة" رفع التعرفة عشرة أضعاف، أي إنها رصاصة أخيرة في صدور المواطنين الذين لا يزالون يتقاضون رواتباً لا تُضاهي تأمين أدنى مقوّمات الحياة، ناهيك عن تشبيح أصحاب المولّدات الخاصّة في "حارة كل من إيدو إلو". في الحقيقة الأمر لم يعُد يحتمل أعباء جديدة على شعبٍ مقهور، لأن القدرة الشرائية بالكاد تضاهي تأمين الشموع للإنارة ليلاً ولن تضاهي بمئة عام فاتورة مستشفى في حال الإختناق من درجات الحرارة المرتفعة مع عدم القدرة على الإشتراك في الكهرباء وتكييف المنازل. 
في التوجّه نحو المعالجة، يجب تحميل مسؤوليات الفشل في هذا القطاع لكلّ من تولّى مسؤولية وكل من منع الإصلاح، وكل مستفيد من الهدر، ومحاسبتهم إن كان في القضاء أو في الشارع إن لزم الأمر، لأن نسبة الهدر الحاصلة وفقاً للتدقيق في حسابات مصرف لبنان تتخطّى الـ25 مليار دولار في العقدين الأخيرين، وتُسمّى هذه الكلفة بـ"هدر" لأن الأموال تم تمويلها بسلفات خزينة حُوّلت من احتياطات "المركزي" أي من ودائع الناس لشراء أسوأ أنواع الفيول وأكثرها تلوثاً، من دون تأمين استدامة للقطاع عبر حلولٍ عديدة منها تحرير القطاع واعتماد اللامركزية في الإنتاج والجباية، واللجوء إلى معامل تعمل على الغاز الطبيعي والتحوّل تدريجياً إلى بدائل عديدة أبرزها الإعتماد على الطاقة المتجدّدة على أنواعها المُتناسبة مع كل منطقة، وبالرغم من كل هذه الأموال تراجع إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان من 78% من احتياجات لبنان إلى حوالى 55-64% فقط بين عامي 2008 و2018، ووفقاً لهيومن رايتس ووتش "في الفترة بين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022، حصلت الأسرة المتوسطة على الكهرباء من مؤسسة كهرباء لبنان [كهرباء الدولة] بما لا يتجاوز 10% من اليوم، أي بمعدّل ساعتين لكل أسرة متوسطة، وهو ذات المعدّل في كل أنحاء البلاد".

لا عدالة في الجباية: مناطق تدفع وأخرى تتهرّب وتستفيد
على صعيد الجباية، هناك تفاوت كبير بنسبة الإلتزام بين المحافظات والمناطق، فعلى سبيل المثال نسبة الجباية كهرباء لبنان بحسب التسعيرة الجديدة ‏بلغت في جونية والبترون 75%، أمّا في ‏بعلبك والهرمل فلم تتعدَّ الـ 5% وفي النبطية لامست الـ12%، ناهيك عن حجم الهدر الفني وغير الفني في الشبكة والذي يتخطى 35%، من ضمنه المخيمات السورية والفلسطينية والتي باتت عبئاً لا يمكن تحمّله في بلدٍ بنيته التحتية غدت مُستترة. ويسأل اللبنانيون إلى متى سيستمرّ هذا الواقع المرير؟ ويرفضون بالشكل مبدأ أن تدفع بعض المناطق بدلاً عن استهلاكها واستهلاك مناطق أخرى، فيما يرفض آخرون التسديد بسبب الإستكبار والإستقواء بسلاح قوى الأمر الواقع، التي نهشت الدولة لتغذية الدويلة. من هنا التهرب من الجباية والتعليق على الشبكة أيضاً جزء من الهدر، وبظلّ غياب الحلول تغدو التعرفة المُقرّة والتي تتصاعد تدريجياً من قِبل أفشل المؤسسات والوزارات "سرقة"، وهي جريمة موصوفة بحق المواطنين الشرفاء الذين يحترمون القانون.
هذا وبات المواطنون يعانون من دفع فاتورتين للكهرباء والمولدات الخاصة في آن معاً والتي تفوق طاقة تحملهم، في وقت لا يرون الضوء في أغلب ساعات اليوم، ولفهم هول المشكلة والتكلفة المُرتفعة نسبةً للقدرة الشرائية المتآكلة، فواتير كهرباء "الدولة" المتصاعدة بطريقةٍ شمولية ليست إلّا تفصيلاً صغيراً في مشكلة الكهرباء في لبنان، فأرقام فواتير المولّدات الخاصة تتفوّق بالشكل والمضمون على كل ما هو منطقي، والإحتكار "يزدهر" في غياب رقابة "دولة" تصريف الأعمال، ولا يزال العديد من أصحاب المولّدات يسرقون المواطنين الذين لا حول ولا قوّة لهم، ويرفعون أسعارهم حتى من دون تركيب عدّادات، والأرقام الهائلة بعد دولرة السوق وتضخمه بالعملة الخضراء باتت تسجّل بمئات الدولارات.


إذاً، الوضع القائم لا يمكن معالجته لا بالترقيع ولا برفع الأسعار العشوائي من دون إصلاحاتٍ حقيقية تشمل الإقتصاد والمؤسسات ككلّ.
أخيرًا وليس آخرًا، لا بد من التذكير بأن معاناة اللبنانيين سببها فشل النظام المركزي بتأمين عيش كريمٍ ولو بالحدّ الأدنى في عصر التطور، و"مطامع" هذا النظام (الذي يكره اللامركزية العادلة) التي غذّت جشع وزراء متعاقبين على وزارة الطاقة ومسؤولين مستفيدين من الوضع للمساهمة ببقاء مافيا المولّدات وهدرت أموال اللبنانيين الذين باتوا يقولون بدورهم "كرمال ساعتين كهرباء مش حرزانة يكون في وزارة"، لذلك طبّقوا اللامركزية فوراً وحرروا قطاع الطاقة بأسرع وقتٍ ممكن وأبعدوه عن التجاذبات السياسية، أو على الشعب اللبناني أن يبدأ بعصيانٍ مدني قد لا تُحمد عقباه.