المصدر: الديار
الكاتب: ندى عبد الرزاق
الثلاثاء 4 تشرين الثاني 2025 08:45:01
هل ما زلنا في لبنان نغض الطرف عن وحشية تهدد أبسط حقوق أطفالنا؟ هل هي صدفة أم فشل ممنهج أن تتحول شوارعنا وأزقّتنا إلى مسرح لعنف متكرر ضد الطفولة؟ هذه الجرائم لا تقتصر على الاعتداء الجنسي فقط، بل تمثل اعتداءً على النسيج الاجتماعي نفسه، على القيم والأمان اللذين يفترض أن يمنحهما المجتمع لأصغر أفراده.
الغريب أن بعض هذه الانتهاكات يرتكبها أجانب يقيمون على أرض لبنان، مما يطرح أسئلة محيرة: كيف يمكن مراقبتهم؟ كيف يُترك الأطفال فريسة لمثل هذه الوحشية؟ وهل القوانين الموجودة قادرة فعلاً على ردع أي إنسان يفكر في تنفيذ هذه الجرائم؟
من هنا، فان كل حادثة جديدة تفتح جرحا في المجتمع، تهز الثقة بين الأهل والأجهزة الأمنية، وتضع المسؤولين أمام سؤال صادم: هل نحن عاجزون عن حماية الأبرياء؟ أم أن العقوبات الزاجرة مجرد حبر على ورق، بينما يستمر القهر في الخفاء؟
لذلك، لن تكلّ "الديار" عن فتح قضايا من هذا النوع، لان هذه الجرائم ليست حوادث عابرة، بل انعكاس لبنية اجتماعية مريضة، وحقيقة يجب أن يُسمع صداها: إذا لم تُحسن الدولة مراقبة ومعاقبة الفاعلين، وإذا لم يُرَبَّ صغارنا على الوعي الجسدي والحماية الذاتية، ستستمر الاعتداءات، وسيتحول خوف الأطفال من الظلام إلى واقع يومي لا يمكن تجاهله.
واقعة نكراء بكل المقاييس!
في سياق متصل بجريمة الناعمة، فقد تحول مساء نهاية شهر تشرين الأول الهادئ، الى ليل ملطخ بالدماء وقلة الضمير وانعدام الانسانية. في ذلك اليوم، كان أطفال حارة الناعمة يلهون كأي يوم عادي، حتى انقلبت حياة سكان الحي رأسا على عقب بسبب جريمة لا تصدق.
وبحسب مصادر أمنية مطلعة، فقد أقدم جار العائلة الشاب ح. ح. (مواليد 1997، سوري)، يبلغ من العمر 28 عاما، على استدراج الطفلين بكلمات تبدو بريئة: "تعالوا، بدي اشتريلكن". ما بدا للوهلة الأولى تصرفاً ودّياً تحول إلى كابوس.
وفي هذا الإطار، كشفت المصادر الأمنية لـ "الديار" أن: "المجرم أخذ الطفلين، (ه. م. تولد 2015، سوريّة الجنسيّة) في بلدة النّاعمة، وع. م. (5 سنوات) إلى شاطئ البحر، حيث قدم قطعة شوكولا للشقيق الأصغر، فيما أخذ الطفلة إلى جهة أخرى، وارتكب بها فعلا شائنًا قبل أن يقتلها بطريقة وحشية، ثم يدفن جثتها بين الحجارة على الشاطئ.
الا ان الشقيق الأصغر نجا بأعجوبة، بعد أن حاول المجرم التخلص منه أيضا بضربه على وجهه ورميه في البحر، لكنه نجا بفضل ما وصفه المصدر الأمني بـ "العناية الإلهية". ولا يزال الطفل تحت الصدمة، ولم ينطق بكلمة منذ الحادث.
من جهة أخرى، تؤكد المصادر الأمنية أن "المجرم اعتُقل بعد ساعات قليلة من الحادث، وأن التحقيقات أظهرت تفاصيل صادمة: ضرب الطفلة بحجر كبير على رأسها، ثم محاولة قتل شقيقها قبل أن يتركه غارقا في البحر، ظنا منه أنه مات. وفي اعترافات صادمة، قال ببساطة: "كان نفسي فيها". عبارة تقطع أنفاس أي انسان، وتعكس الطبيعة الوحشية التي نفذ بها الجريمة.
في جميع الاحوال، هذه الجريمة ليست مجرد حادث فردي، إنها صرخة تحذيرية عن هشاشة الأطفال أمام من قد يختبئ خلف وجوه مألوفة، وعن خطورة الثقة المطلقة في المحيط المباشر للأطفال. البلاد اليوم تتساءل: هل يمكن أن نكون جميعا أكثر يقظة لحماية أبنائنا من الوحشية المختبئة خلف المألوف؟
القوانين هي الهشّة... اين الجهات المعنية ؟
انطلاقا من هذه الواقعة المؤلمة، تقول الاختصاصية النفسانية والاجتماعية الدكتورة غنوة يونس بصدمة بالغة وحزن عميق لـ "الديار": "لم يعد يمر شهر في لبنان، إلا ونسمع عن حادثة جديدة من الاعتداء الجنسي على الأطفال، وكأن الطفولة صارت مساحةً متاحةً للعنف والرغبة المشوّهة. وآخر هذه الجرائم كانت الجريمة التي أوجعتنا جميعا البارحة في الناعمة، حين استدرج رجل سوري طفلة في العاشرة من عمرها مع شقيقها الصغير، اعتدى عليها بوحشية، ثم قتلها وأخفى جثتها، قبل أن يحاول التخلص من شقيقها أيضا".
التذرع بالازدواجية لا يلغي العقاب!
وتكشف أنه "قد يبدو ما فعله غير إنساني، ولا يمكن للعقل أن يتحمل هذه البشاعة، لكنه في الحقيقة نتاج بنية نفسية مريضة ومعقدة، ومنفصلة عن أي حس إنساني أو ضمير. إذ إن الشخص الذي يرتكب مثل هذا الفعل، لا يمكن وصفه فقط بأنه "مجرم" أو "بيدوفيل" (Pedophile)، بل هو نموذج لما يُعرف في علم النفس بتركيبة الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder)، التي تتقاطع أحيانا مع الانحراف الجنسي (Paraphilic Disorder)".
وتعدد يونس خصائص هذه الشخصية على النحو الاتي:
- غياب تام للتعاطف: لا يشعر بألم الضحية، ولا يمتلك أي إحساس بالذنب، بل على العكس أخفى جريمته وتصرف كما لو لم يحدث شيء، حتى إنه كان يبحث مع الآخرين عن الضحية.
- عدم القدرة على التحكم بالرغبات: وهو ما صرح به خلال التحقيق قائلاً: "كان نفسي فيها منذ زمن".
- تشوه في مفهوم العلاقة والسلطة: يرى الطفل كجسد فقط، لا ككائن حي له كرامة وحياة.
- الاندفاعية والعدوانية الكامنة: قد تكون ناتجة من تاريخ طويل من العنف أو الإهمال، أو نتيجة لتعرض الشخص نفسه للاعتداء".
وتشدد على أن "ما فعله بعد الاغتصاب ـ قتل الطفلة ومحاولة قتل شقيقها ـ يُظهر تصعيدا في السلوك العدواني، ورغبةً في محو أثر الجريمة والسيطرة المطلقة. يعكس هذا النمط شخصية سادية نفسية ، لا تقتصر فقط على "البيدوفيليا"، حيث يجد الفاعل لذته في الألم والخوف اللذين يزرعهما في الآخر".
تخطيط وتنفيذ عن سابق إصرار!
وتؤكد: "من وجهة نظري، طريقة تنفيذ الجريمة ـ من استدراج الطفلة وخداعها إلى الاعتداء عليها وقتلها ثم إخفاء جثتها ـ تعكس بنية نفسية سادية وعدوانية. لم يكن الهدف جنسيا فحسب، بل كان فعل قهر وسيطرة، حيث تتحول الطفلة من كائن حي إلى موضوع للهيمنة، ثم يُمحى وجودها بالكامل. هذا السلوك لا يصدر إلا عن شخصية منفصلة عن ضميرها، قادرة على التلاعب بالواقع والتظاهر بالبراءة، كما فعل الجاني عندما شارك في البحث عنها".
صرخة الى المسؤولين فهل من يسمع؟
وتضيف: "ما نشهده ونسمعه بشكل متكرر في لبنان، هو نمط متكرر من العنف ضد الطفولة، يمر أحيانا تحت صمت المجتمع، وتراخٍ في التربية، وضعف في التربية الجنسية والتوعية الوقائية. السكوت عن المواضيع الجنسية والخوف من "الفضيحة"، وغياب المساحات الآمنة للحوار، كلها عوامل تخلق بيئة خصبة لانتهاكات من هذا النوع. وهنا أعني بشكل عام، وليس فقط ما حصل البارحة".
عقاب منصف يعيد بعضا من حقوق المجني عليها!
وتختم: "الجاني مسؤول عن جريمته، ويجب أن تُنزل به أقسى أنواع الأحكام الجنائية، ليكون رادعا لغيره ممن قد يحاول أو يفكر في القيام بأفعال مماثلة. لكن المجتمع أيضا مسؤول عندما لا يربي أبناءه على الوعي الجسدي، وعندما لا يعلّم الأطفال أن أجسادهم ملكهم وحدهم، وعندما لا يطالب بسياسات حماية حقيقية، أو يترك المجرمين يعودون إلى الشارع بلا متابعة نفسية أو قانونية صارمة. وهذا ما نسعى دائما إلى تسليط الضوء عليه: أهمية التثقيف الجنسي للأطفال، وطرق الحماية والوقاية، وإنزال أشد العقوبات على الجرائم الجنسية".