المصدر: المدن
الكاتب: راغب ملي
الخميس 4 كانون الاول 2025 09:26:53
بات واضحًا أنّ "شهر العسل" بين جمهور "حزب الله" والرئيس جوزاف عون، وصل نهايته، وهو ما ظهر جلياً في الانفجار السريع في المنصّات الرقمية عقب تكليف السفير السابق سيمون كرم ترؤّس الوفد اللبناني إلى اللجنة التقنية العسكرية.
فقد تحوّل المزاج الشعبي لدى هذا الجمهور، من الاحتضان إلى الهجوم، في انتقال حاد إلى مرحلة التشكيك والاتهام. ولم يتوقف الاعتراض عند شخص كرم، بل طاول أصل فكرة التفاوض نفسها، إذ رأى كثيرون فيها خطوة أولى على طريق التطبيع مع إسرائيل، وذهبوا إلى ربطها بكلام الرئيس خلال استقباله البابا لاوون الرابع عشر، حين تحدّث عن "السلام والمصالحة بين أبناء إبراهيم كافة".
هذا الربط، الذي فسّره جزء من جمهور الحزب كإحالة مباشرة إلى الاتفاقات الإبراهيمية وما تحمله من دلالات تطبيع، ضاعف الحساسية تجاه القرار وعمّق الانطباع بأن الخطوة تتجاوز إطارها التقني، لا سيما في ظل ظروف إقليمية وتحولات دقيقة.
سيمون كرم
وفي خلفية هذا الانفجار الشعبي الافتراضي، يبرز اسم سيمون كرم الذي اختير لقيادة الوفد اللبناني. فالرجل، بالنسبة لجمهور حزب الله، ليس مجرّد شخصية تقنية، بل يحمل سجلًا سياسياً طويلاً يُصنَّف ضمن خانة الخصومة المباشرة مع "المقاومة"، منذ انخراطه في مواقع وشبكات كانت تُعدّ في مقدّمة المواجهة معها. ومن هذا المنطلق، بدا تعيينه رسالة سلبية مضاعفة لهذا الجمهور: رسالة توحي بأن التفاوض ينطلق من زاوية سياسية مثيرة للقلق، وأن الشخصية المكلّفة تتحمّل إرثاً يثير حساسية شديدة، إلى درجة فتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول أهداف القرار وتوقيته ودلالاته.
لكن رئاسة الجمهورية حاولت عبر بيانها التأكيد بأنّ القرار لم يصدر بشكل منفرد، بل جاء "بعد التشاور والتنسيق" مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام.
تجنب استهداف بري
ولم يكن هذا التفصيل بروتوكوليًا، بل بدا مقصودًا لتقديم الخطوة بوصفها نتيجة توافق سياسي واسع، لا مبادرة شخصية من الرئيس. مع ذلك، ورغم إيراد اسم بري مباشرة في مسار اتخاذ القرار، تجنّب جمهور حزب الله توجيه أي انتقاد لبري، خلافًا للهجوم الذي طاول الرئيس عون. وهذا أمر طبيعي في منطق هذا الجمهور، باعتبار بري الحليف الأول للحزب، والركن الموازي له داخل البيئة الشيعية، وصاحب دور ثابت في التفاوض السياسي نيابة عنه. لهذا، لم يكن من المتوقع أن يحمّله هذا الجمهور أي مسؤولية عن القرار، أو أن يوجّه إليه انتقادًا مباشرًا، نظرًا إلى مكانته داخل التحالف ودوره المركزي في إدارة الملفات الحسّاسة.
غير أنّ هذا الاستثناء ربما يكون بدوره مرحليًا، رهنًا بطبيعة التطورات وبكيفية تفاعل القاعدة الشعبية مع المسار الذي فُتح اليوم.
وبناءً على ذلك، يصبح من غير المنطقي الافتراض بأنّ خطوة بهذا الحجم، وفي ملف بهذه الحساسية، مرّت من دون تنسيق مع قيادة حزب الله. فالعلاقة المتشابكة بين حزب الله وحركة أمل، والدور المعروف للرئيس بري كمفاوض سياسي باسم الحزب في محطات مفصلية سابقة، تجعل من الصعب فصل هذا القرار عن سياق أوسع من المشاورات والتفاهمات التي تتجاوز الشكل المؤسساتي المعلن في البيان.
أبعد من رد فعل
في الجوهر، لا تبدو الأزمة الراهنة مجرد رد فعل عاطفي على إسم أو ظرف، بل أقرب إلى مؤشّر على لحظة انتقالية يعيشها حزب الله نفسه. لحظة تعيد إحياء الأسئلة القديمة حول هويته وموقعه: أيّ شكل سياسي يريده الحزب لنفسه؟ إلى أي مدى يمكنه الانخراط في بنية الدولة؟ وما هو مستقبل "الثنائية الشيعية" بين مشروعه العسكري وضرورات التحول السياسي الذي تفرضه الظروف الداخلية والإقليمية والدولية؟
تيارات متباينة؟
من غير المستبعد أن تكون داخل الحزب تيارات متباينة في نظرتها إلى المسار الذي فُتح اليوم، فهناك من يرى في أي خطوة تفاوضية محتملة تهديداً لجوهر الهوية القائمة على السلاح، ولـ"الإنجازات" التي راكمها الجناح العسكري عبر عقود.
وفي المقابل، ثمّة من يقرأ في التطورات الإقليمية والدولية ضرورة لتعديل موقع الحزب داخل الدولة، ولو تدريجياً. وهذا التباين يفسّر جانباً من التوتر الذي ظهر في قاعدة "الحزب" الشعبية، التي لم تستسغ بسهولة الانتقال إلى لحظة مفاوضات، ولو كانت تقنية وبعيدة من العناوين الكبرى.
في المحصلة، يظهر قرار تكليف سيمون كرم وكأنه فتح الباب على مرحلة جديدة، ليس فقط في علاقة الرئاسة بجمهور حزب الله، بل أيضًا ضمن البيئة الداخلية للحزب نفسه. فالمشهد السياسي في لبنان يتّجه نحو مقاربة مختلفة في ما يخص تحديد أطر التفاوض مع إسرائيل، والحزب يبدو أمام اختبار يعيد إليه شيئًا من أسئلة البدايات، حيث الهوية والسلاح والسياسة تتقاطع كلها عند نقطة واحدة: إلى أين يتجه؟ وهل يقبل ما ظل يرفضه طوال عقود؟