حزب الله المنتفض على تعميم وزير العدل...حين يواجه القانون منطق القوة!

القانون لا يُجزَّأ؛ ومن أراد أن يرفع رايته، فعليه أولًا أن يخضع لمقتضياته في الأرض والسلاح والمال.

فقد أثار تعميمٌ إداري أصدره وزير العدل موجَّهٌ إلى كتّاب العدل، عاصفةً من الاعتراضات، تصدّرها النائب حسين الحاج حسن الذي عقد مؤتمرًا صحافيًا باسم كتلة "حزب الله". وخلال المؤتمر، اتهم الحاج حسن التعميم، الذي ينصّ على وجوب التحقق من هوية المتعاملين والتأكّد من عدم إدراجهم على لوائح العقوبات، بـ"انتهاك الأصول والدستور"، و"تجاوز الصلاحيات"، و"المسّ بمبدأ الفصل بين السلطات". مستحضِرًا بذلك مفرداتٍ نادرًا ما يستخدمها قادة "حزب الله" في مواقف أخرى، بل عادةً ما يهاجمونها باعتبارها "ذرائع غربية" أو "شكليات بيروقراطية".

من جهة أخرى، ركّز سعادة النائب في بُنيته الخطابية على الجانب القانوني من الموضوع، مُكرّرًا عبارة "بالقانون"، ومُستعينًا بعدّة مواد قانونية ومراسيم لدعم اعتراضه، محاولًا تغليف موقف مَصلحي بعَباءة مبدئية. في حين يُمكن إدراج ردّة الفعل هذه ضمن مفهوم "الانتقائية القانونية"، وتصنيف المؤتمر الصحافي بالسياسي المُقنّع بلغة القانون.

فالتعميم في جوهره لا يتجاوز الممارسات المُتبعة في معظم الدول المُلتزمة بالاتفاقات الدولية لمكافحة تبييض الأموال، وهو مُنسجم مع المعايير التي تطلبها مجموعة العمل المالي (FATF). وحتى إن بدا مبالغًا فيه في الصياغة، فإنه لم يستهدف طائفة أو جهة بعينها، بل أراد إدخال كتاب العدل ضمن منظومة الشفافية الدولية التي تتبعها كل الدول.

لكن يبدو أن هذا التعميم يمسّ مصالح سياسية، أو ربما يستهدف جزئيًا أطرافًا مُعيّنة، ما دفع "حزب الله" إلى اعتباره اعتداءً على "السيادة". فالإشارة إلى "لوائح العقوبات الدولية" قد تُقرأ على أنها إدخال غير مباشر للعقوبات الأميركية والأوروبية في النظام اللبناني. لذلك أكّد سعادة النائب أن لبنان يقبل "بالعقوبات الأممية لا الدولية"، مُشدّدًا على الـ "Nuance" حسب قوله بين المفهومَين. وهنا تكمُن المفارقة: إذ بعد عقود من ازدراء القرارات الأممية واعتبارها مُجرّد أدوات بيد القوى الكبرى، بات اليوم "حزب الله" يتذرّع بها للدفاع عن مصالحه المباشرة.

فمنذ التسعينات، استقرّ في خطاب الأمين العام السيد حسن نصرالله نهج ثابت يقوم على نزع المصداقية عن الأمم المتحدة ومؤسساتها. وقد أكّد في خطاب عبر تلفزيون "المنار" بتاريخ 3 تموز 2011 أن "حزب الله فوق القانون الدولي والقانون اللبناني". ولكن، وبعد العدوان الإسرائيلي على المصيلح منذ بضعة أيام، سارع "حزب الله" إلى مطالبة الدولة بتحمل مسؤولياتها ورفع شكوى إلى مجلس الأمن.

وفي العودة إلى مضمون المؤتمر الصحافي، نلاحظ أنه يُشكّل امتدادًا للنمط نفسه: استدعاء القانون لا بوصفه معيارًا عامًا للشرعية، بل كأداةٍ ظرفيةٍ وسلاحٍ دفاعيّ تستخدمه مجموعةٌ تملك سجلًّا حافلًا بالمخالفات القانونية، من الاحتفاظ بترسانةٍ وسلاحٍ مُنظَّمٍ خارج سلطة الدولة، إلى تشكيل ميليشيا مسلّحةٍ موازية. وهو ما يُعدّ إخلالًا بمبدأ احتكار الدولة للسلاح والأمن، فضلًا عن مخالفةٍ صريحةٍ للمادة 49 من الدستور؛ والمادة 1 من قانون الأسلحة والذخائر (المرسوم الاشتراعي رقم 137 تاريخ 12/6/1959) التي تحظر اقتناء الأسلحة الثقيلة من دون ترخيص رسمي.

إضافة إلى السيطرة الميدانية المُسلّحة (أحداث أيار 2008) واللجوء إلى السلاح لفرض إرادة سياسية، والتي تخالف المواد 335 و336 من قانون العقوبات اللبناني (تجريم العصابات المسلحة والاعتداء على السلطة العامة).

هناك أيضًا احتلال أراضٍ خاصة أو استغلالها لأغراض عسكرية أو حزبية من دون رضا مالكيها (جنوب لبنان، جزين والبقاع)، ومنعهم من الدخول إليها، الأمر الذي يُعدّ مخالفة للمادة 737 من قانون العقوبات اللبناني (من اغتصب عقارًا أو قسمًا منه بالقوة، أو استولى عليه من دون حق) والمادة 221 (إذا كان احتلال الأرض جزءًا من خطة عسكرية أو مُسلّحة).

في ما خصّ المخالفات المالية، تمارس مؤسسة "القرض الحسن" نشاطًا مصرفيًا وإقراضيًا من دون ترخيص من مصرف لبنان أو خضوع لرقابته، وهو ما يخالف المادة 206 من قانون النقد والتسليف اللبناني (المرسوم الاشتراعي رقم 13513 تاريخ 1/8/1963)، والتي تتعلّق بالعقوبات المفروضة على من يمارس أعمال الصيرفة أو العمليات المالية من دون ترخيص رسمي.

كما أن إنشاء شبكات مالية موازية لتحويل الأموال والتسليف داخل لبنان وخارجه، خارج النظام المالي الشرعي اللبناني، يُشكّل مخالفة للمادة 19 من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44/2015، والتي تُعدّ الركيزة التنفيذية لضمان التزام القطاع المالي اللبناني بمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وفق المعايير الدولية (FATF).

يشمل أيضاً النشاط غير القانوني التهرّب الجمركي وتهريب بضائع خاضعة للرسوم، والتي تخضع للمواد 324 إلى 326 من قانون الجمارك اللبنانية. وعلى الرغم من الإجراءات الرسمية الحديثة التي أعقبتها ضبطيات وإقالات موظفين مشتبه بهم، فإن التهريب لا يزال مستمرًا.

أما المخالفات في ميدان العدالة، فقد تمثلت في التدخل في القضاء والتحقيقات، من خلال حماية مشتبهين ومنع توقيفات، وصولًا إلى عرقلة العدالة والتأثير على مجرى التحقيق، وهو ما يُخالف المادة 418 من قانون العقوبات (التدخل في القضاء أو الضغط على قاضٍ)، والمادة 399 (التهديد أو الضغط على موظف عام).

أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنّ القضاء الإداري لا يقبل مراجعةً صادرة عن جهةٍ تُمارس عملًا يناقض النظام العام. لذا، كان الأولى بـ "حزب الله" أن يبدأ باحترام مادةٍ واحدةٍ على الأقل من الدستور، هي المادة 49، علّه يُجنب لبنان حربًا أخرى.

والأهمّ أنه في بلدٍ اختُزل فيه الصراع السياسي منذ عقودٍ في معركةٍ حول معنى الدولة نفسها، يبلغ العبث السياسي ذروته حين يتقدّم "حزب الله" فجأةً في موقع المدافع عن القانون.