حسابات تغلَق وأسئلة تُفتح: ماذا وراء قرارات Whish؟

في خطوة غير متوقعة، تلقّى الشاب العشريني وعضو بلدية رامية الجنوبية، حسين صالح، اتصالاً من شركة تحويل الأموال Whish Money لإبلاغه بإغلاق حسابه الشخصي على المنصة، قبل ثلاثة أيام.

 صالح كان قد بدأ حملة جمع تبرعات هدفت إلى دعم الأهالي المتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية في القرى الحدودية جنوبي لبنان.

الخبر سرعان ما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان "استهداف خطط إعادة الإعمار"، ليفتح الباب على نقاش واسع حول حيثيات قرار الشركة من جهة والإطار القانوني لجمع التبرعات في لبنان من جهة أخرى.

صالح ليس وحده مَن تبلغ بإغلاق حسابه، بل أيضاً الشاب محمد عباس، وهو ناشط اجتماعي يقوم أيضاً بجمع التبرعات. إنما المفارقة، بحسب تصريحه لـ"المدن"، هو أنه نائب رئيس لجمعية مرخص لها، تعنى بالتمكين الأسري، وقد تبلغ هاتفياً بقرار إغلاق حسابه، إلاّ أنه توجه إلى مكتب المؤسسة الرئيسي Whish وقام بإبراز أوراق الجمعية التي تثبت شرعيتها، ووعدوه بحلّ المسألة. في المقابل أغلقت الشركة حساب جمعية و"تعاونوا" التي صنّفتها تقارير غربية بأنها الذراع المدنية لحزب الله، ونشطت الجمعية على خط جمع التبرعات منذ نهاية الحرب.

من مبادرة إنسانية إلى حساب مغلق

تعود قضية صالح إلى إطلاقه حملة بعنوان "one dollar" بتاريخ 18 تموز 2025، بهدف مساعدة العائلات في القرى الحدودية على ترميم منازلها المتضررة وتأمين حاجاتها الأساسية. الحملة التي اعتمد فيها على منصات التواصل الاجتماعي ومنصة Whish لجمع التبرعات، لقيت تجاوباً واسعاً من المتبرعين داخل لبنان وخارجه.

"خلال الأشهر الماضية تمكّنا من جمع نحو 38 ألف دولار، أنفقناها على إصلاح أضرار بسيطة مثل تركيب الزجاج وتأمين مستلزمات أساسية للبيوت المتضررة"، يقول صالح لـ"المدن". ويضيف: اخترت Whish لأنها سهلة الاستخدام، حتى كبار السن يعرفون كيف يرسلون الأموال، وبكبسة زر تصل المساعدة إلى أبعد قرية.

لكن المفاجأة وقعت حين تواصلت الشركة مع حسين وأبلغته هاتفياً بضرورة تصفير حسابه تمهيداً لإغلاقه، على خلفية جمعه للتبرعات من دون صفة قانونية. "كان في الحساب 800 دولار، سحبتها فوراً، وبعد أقل من 24 ساعة أقفلوا الحساب نهائياً. القرار كان صادماً، خصوصاً أننا على أبواب الشتاء، وهناك مئات العائلات في حاجة إلى دعم عاجل للتدفئة والمأوى"، يوضح صالح.

موقف الشركة: "لا تغيير في السياسة"

لاستيضاح الأسباب الكامنة خلف قرار الشركة تواصلت "المدن" مع شركة Whish، التي نفى متحدث باسمها بشكل قاطع وجود أي تغيير في سياسة الشركة. وأوضح أن Whish "لطالما التزمت برفض استلام أي أموال لجمعيات غير مرخّصة أو لأفراد تحت غطاء تبرعات لا يمكن التحقق من مصدرها"، مؤكداً أن هذا الإجراء "يهدف إلى حماية الشركة وعملائها من أي شبهات احتيال، وتجنيبها المخاطر القانونية والمالية".

وأضاف أن الشركة مستمرة في حجب الحسابات التي تخالف معاييرها، "في إطار دورها في حماية النظام المالي والاقتصاد المحلي".

وفي رده على استفسارات حول آليات التحقق من مصدر الأموال، أوضح المتحدث باسم الشركة أن جميع عمليات التحويل تخضع لإجراءات دقيقة وفق سياسة "اعرف عميلك" (KYC)، والتي تطبّق على جميع الأطراف المعنية، سواء كانوا مرسلين أو مستلمين.

وأكدت الشركة أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز الثقة، وضمان الامتثال، وحماية النظام المالي من مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بما ينسجم مع المعايير الدولية والممارسات الفضلى في هذا المجال.

فراغ قانوني يضاعف الإشكال

في المقابل، يوضح المحامي والمحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة كريم ضاهر، أن لبنان لا يملك حتى الآن أي قانون ينظّم بشكل مباشر أو صريح مسألة جمع التبرعات الإلكترونية  (crowdfunding).

"نحن نعيش في بيئة قانونية غير محدثة لا تأخذ في الاعتبار التطورات الرقمية الحديثة، وبالتالي فإن أي عملية لجمع الأموال عبر الإنترنت قد تخضع لإطارين قانونيين: الانتظام العام من جهة، وقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44 الصادر عام 2015 من جهة أخرى"، يقول ضاهر.

ووفق القانون اللبناني، يمكن للأفراد تلقي مبالغ محدودة دون رسم انتقال (حتى 96 مليون ليرة لبنانية)، بينما يمكن للجمعيات المرخص لها تلقي ما يصل إلى 6 مليارات ليرة شرط أن تتمتع بصفة المنفعة العامة. أما المبالغ التي تتجاوز هذه الحدود، فتخضع لرسم يتراوح بين 9 في المئة و45 في المئة بحسب العلاقة بين المانح والمتلقي.

في حال لم يكن المتلقي جمعية مرخصة، قد تعتبر الدولة هذه الأموال بمثابة دخل خاضع لضريبة الدخل، وإذا لم يُصرّح عنها خلال مهلة شهرين، يُعدّ الشخص متهربًا ضريبياً، ما يعرّضه للملاحقة القانونية.

ويحذر ضاهر من أن عدم تحديد مصدر الأموال قد يضع الشخص تحت طائلة قانون مكافحة تبييض الأموال، "خصوصاً أن التهرب الضريبي يُعدّ من الجرائم التي قد تصنف الأموال الناتجة عنها كأموال غير مشروعة". لذلك، تلجأ الشركات أحياناً إلى تجميد أو إغلاق الحسابات لحماية نفسها من أي شبهات قانونية.

بين المبادرة الفردية والتنظيم القانوني

قضية حسين صالح تعكس التحديات التي تواجه المبادرات الفردية في لبنان، في ظل غياب إطار قانوني واضح لجمع التبرعات عبر الإنترنت. فبينما تتسع الفجوة بين حاجات الناس على الأرض وغياب الدولة، يجد المتبرعون والمنظمون أنفسهم أمام قيود مالية وقانونية، تضع العمل الإنساني في دائرة الشبهات.

ويخلص ضاهر إلى أن "كل من يرغب بجمع أموال عبر الإنترنت عليه أن يكون واعيًا للجوانب القانونية. الأفضل أن يتم ذلك عبر جمعية مرخصة، خاضعة للمراقبة، لتفادي أي شبهات قانونية أو مالية".

بنى صالح مبادرته على العامل الإنساني، وكثيرون يحذون حذوه في إطلاق حملات مشابهة، من دون معرفة الأطر القانونية والعواقب المحتملة التي قد تضعهم في مواجهة مساءلة قانونية معقّدة. علماً أنّ هذه الحملات كان لها صدى إيجابي واسع خلال السنوات الماضية، خصوصاً مع تفاقم الأزمة المالية في لبنان، وساهمت في تخفيف الأعباء عن آلاف العائلات المحتاجة.

في النهاية، تُظهر هذه الحادثة أن الإغاثة في زمن الأزمات لا تتعلق فقط بالنوايا الحسنة، بل أيضاً بضرورة وجود بيئة قانونية وتنظيمية واضحة تواكب التحولات الرقمية وتضمن حماية كل الأطراف.