حصار إعادة الإعمار: إقفال حسابات "وتعاونوا" وغيرها في Whish

كشفت التدابير الأمنية، الدولية والاسرائيلية، في الداخل اللبناني، مرحلة جديدة من موانع إعادة إعمار ما دمرته الحرب الاسرائيلية على لبنان في العام الماضي، مما دفع بناشطين من الجنوب لاعتبار ما يجري "حصاراً جديداً"، وأنه "يُضاف الى الاعتداءات الاسرائيلية التي تمنع سكان الجنوب من العودة اليه".

واتخذت التدابير منحيَين أمنيين، أولهما يتمثل في الملاحقة الاسرائيلية لمهندسين يعملون في إعادة الإعمار أو يشجعون عليه، وتمثل ذلك في اغتيال مهندسين اثنين في منطقة الجرمق قبل نحو اسبوعين، ثم  التهديد الذي ساقته المسيّرات الاسرائيلية للمهندس طارق مزرعاني الذي نشط في تأسيس تجمّع ابناء المنطقة الحدودية، للضغط باتجاه إيقاف الجهود المدنية الآيلة لتحقيق هذا الهدف. 

لكن التدابير لم تنحصر في إسرائيل، إذ تؤازرها جهود دولية، وضغوط على لبنان والمؤسسات فيه، للمضيّ باتجاه إطباق الحصار، ومنع تمويل اي جهد يمكن أن يعيد الحياة الى المنطقة الحدودية. وتمثل ذلك في اجراءات اتخذتها شركة "Whish Money" لتحويل الأموال في الداخل، إذ أقفلت حسابات مخصصة لتلقي التبرعات، وهي آلية مجتمعية انطلقت بعد الحرب، كبديل عن التمويل الدولي المتعذر، والعجز الحكومي عن تمويل أي خطة. 

وانتشرت، منذ ليل الأحد، معلومات في مواقع التواصل، تشير الى اقفال بعض الحسابات، وفي مقدمها حساب عضو مجلس بلدية راميا، حسين صالح، الذي أقفل  إقفال حسابه استنادًا إلى التعميم رقم 170 الصادر عن مصرف لبنان. وسرعان ما تكشفت حسابات أخرى جرى اقفالها، من بينها حساب جمعية "وتعاونوا" التي نشطت منذ نهاية الحرب في جمع التبرعات، وشراء البيوت الجاهزة التي قصفت إسرائيل معظمها، كما موّلت استحداث مراكز تعليم مؤقتة في المنطقة الحدودية، كبديل عن المدارس الرسمية التي هُدمت. 

وقالت الجمعية في بيان: "فوجئنا أخيراً بقيام شركة Whish Money بإغلاق حسابنا المخصص لجمع التبرعات، رغم تقديمنا كل المستندات المطلوبة لإعادة تفعيله، ما عرّض خططنا ومشاريعنا، خصوصاً في القرى الحدودية، لخطر التوقف". وأسفت لأن "يأتي هذا القرار ضمن سلسلة ممارسات تهدف إلى تعطيل جهود الإعمار ودعم الأهالي، من استهداف منشآت ومؤسسات، إلى إقفال حسابات الناشطين العاملين في الإغاثة".

وتشير منشورات مواقع التواصل إلى أن هناك العشرات من الحسابات جرى اقفالها، ووضعت هذه الإجراءات ضمن سياق "الحصار المالي على بيئة المقاومة"، و"إغلاق منافذ التمويل والمساعدات"، و"تماهي الشركة مع الضغوط الدولية"، علماً أن الشركة، مضطرة الى التدقيق في الأموال، تنفيذاً للتعليمات الرسمية والقوانين اللبنانية والتدابير الدولية لمكافحة تبييض الأموال، منعاً لحظر أنشطتها ومعاقبتها. 

والحال أن النقاشات اليوم، تتخطى هذا الجانب التفصيلي من الإجراءات الآخذة في التوسع، والتي تتكفل اسرائيل بجزء منها، عبر قصف الجرافات ومنع ورش إعادة الإعمار من العودة واستهداف المهندسين وإبعادهم عن المنطقة، فيما تتكفل الضغوط الدولية بتهديد الشركات، وبإتمام الحصار المالي على البيئة الجنوبية، ومن ضمنها بيئة الحزب. 

تلك البيئة، رفعت صوتها أخيراً في وجه الدولة اللبنانية و"حزب الله" على حدّ سواء.. ويتناقل ناشطون في مواقع التواصل مقطع فيديو لتاجر من آل قطيش، تعرضت ممتلكاته للتدمير في الحرب، ومنذ ذلك الوقت "لم ينظر أحد إلينا"، وخسر واحدة من أكبر المؤسسات التجارية في الجنوب. تلك الأصوات، يمكن أن تشكل عامل ضغط مجتمعي على الأطراف السياسية المؤثرة في الجنوب، في وقت يحتاج "حزب الله" الى نحو مئة مليون دولار أواخر الشهر المقبل، لتأمين بدل إيجارات لمن هُدمت منازلهم وتمنع إسرائيل إعادة إعمارها.