المصدر: اساس ميديا
الكاتب: وليد شقير
الأحد 10 آب 2025 08:22:29
تحت مظلّة الصخب والضجيج بسبب قرار مجلس الوزراء بشأن سحب سلاح “الحزب”، حصل الكثير من المناورات التي تواطأ، أو تقاطع، الرؤساء الثلاثة عليها لتغطية التنازلات.
أسقط قرار الحكومة اللبنانية الجريء ببدء خطوات سحب السلاح، الكثير من الشعارات الزائفة. على الرغم من هتافات مناصري “الحزب” في تظاهرات “كتيبة” الدرّاجات النارية التابعة له، “شيعة شيعة شيعة”. أولى النتائج الكفّ عن تطويع الدستور بقوّة السلاح، ولمصلحة حامليه.
صعوبة التّنصّل من التزامات برّي
بدا واضحاً ضعف منطق رفض القرار، إذ سبق لـ”الحزب” أن وافق على اتّفاق وقف الأعمال القتالية وتنفيذ القرارات الدولية في 27 تشرين الثاني الماضي. فرئيس البرلمان نبيه برّي الذي وافق عليه باسم “الحزب” لم يخفِ أمام الراعي الأميركي، آموس هوكستين، أنّه يقدّم تنازلاً كبيراً وصعباً عليه في مرحلة متقدّمة من حياته السياسية. كان برّي يقول في مجالسه منذ تشرين الأوّل عام 2023 عن حرب الإسناد بأنّها “ليتها لم تكن، ولا نعرف إلى أيّ منزلق ستأخذنا”. تحوّل الركن الثاني في الثنائي الشيعي منذئذٍ إلى شبيه بذاك الذي رأى صديقه يمشي بسرعة نحو الاصطدام بالجدار، فاضطرّ إلى تأبّط ذراعه وتحمّل مشقّة مرافقته، حتّى يستدير به حين يقترب من الحائط كي لا يرتطم به.
ينصّ الاتّفاق على سحب السلاح، مهما حاول “الحزب” التنصّل من تنفيذه، مثلما فعل منذ عام 2006، بإحباطه تنفيذ القرار الدولي 1701. وانخرط برّي، مع عون وسلام، في صياغة الردود والتعديلات على ورقة بارّاك التي أخذ الأخير ببعضها.
هناك قناعة لدى حلقة ضيّقة في الوسط القياديّ الشيعي بأنّ جزءاً من قادة “الحزب” اعتاد الاستقواء بالسلاح من جهة، ولا يعرف الحفاظ على امتيازات حقّقها إلّا عبر امتشاقه من جهة ثانية. والبعض الآخر لا يمتهن أيّ عمل سوى القتال والعمل السياسي المشحون بالتعبئة الدينية… لذلك لا بدّ من بذل جهد لإقناع هؤلاء بأنّ الزمن تغيّر.
سقوط هالة النّفوذ الإقليميّ على السّلطة
حتّى انكشاف تضخيم القدرة على هزيمة إسرائيل، التي خدع نفسه وجمهوره حتّى بعض خصومه بها، إثر مغامرته المدمّرة بحرب إسناد غزّة، كان السلاح وسيلة عمله السياسي في الداخل.
الهالة التي نشأت من توسّع الهلال الإيراني في الإقليم، أعانته عبر قوّة السلاح على السيطرة على قرار السلطة في لبنان، وعلى مدّ نفوذه داخل المؤسّسات… هذا زمن ولّى، بسقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، ثمّ بضعف إيران إثر انهيار أوهام التعبئة الغيبيّة عن قوّتها في مواجهة أميركا وإسرائيل. أمّا العراق فيحاول التأقلم بين النفوذ الإيراني الراجح، وبين الضغوط الأميركية للحدّ من هيمنة طهران.
دلالات قرار الحكومة
استجاب الرئيسان عون وسلام عبر القرار الحكومي، في جلسة أوّل من أمس الخميس، مواربة، لطلب برّي الذي لم يلقَ قبولاً في جلسة الثلاثاء، تأجيل بتّ سحب السلاح إلى ما بعد إعداد الجيش الخطّة التطبيقيّة. رفض عون تأجيل جلسة الثلاثاء. ثمّ رفض سلام خلالها اقتراحاً لعون، لم يصرّ عليه، تأجيل قرار مجلس الوزراء.
انطوى قرار الحكومة على دلالات كثيرة، منها:
1- حدّد القرار التواريخ التي كان ألحّ عليها بارّاك، بتكليف الجيش وضع الخطّة ضمن مهلة تمتدّ إلى 31 آب، لإنهاء سحب السلاح آخر 2025. تحقّق لعون ما كان قاله من أنّ 2025 عام سحب السلاح، ولسلام تكراره الحاجة إلى قرار من مجلس الوزراء، الأمر الذي كان برّي تجنّبه وسايره فيه عون لفترة. إلّا أنّ الحكومة ربحت بذلك تشبّثها بحقّها في اتّخاذ القرارات المصيرية مهما كانت الضغوط من “الحزب”، ومن إيران الرافضة لسحب السلاح.
2- أنقذ قرار الحكومة لبنان وجنوبه و”الحزب” والبيئة الشيعية من احتمال فلتان إسرائيل العسكري، وميزان القوى لمصلحتها، في حال عدم الاستجابة لطلب بارّاك تحديد تاريخ بدء إجراءات سحب السلاح. تهنئة الموفد الأميركي عون وسلام بالقرار تلزمه بلجم أيّ اندفاع إسرائيلي عسكري.
8 من أهداف ورقة بارّاك يطلبها “الثّنائيّ”
3- إقرار الحكومة الأهداف الـ11 لورقة بارّاك يلبّي في 7 نقاط فيها مطالب “الحزب” والثنائي. وهناك نقطة ثامنة من أصلها، تتعلّق بدعم دولي للجيش والأجهزة الأمنيّة، يستحيل رفضها حتّى لو كانت في غير مصلحته.
4- أسقط القرار الحكومي مقولة “الميثاقيّة” الخادعة التي مورست منذ عام 2007 حين استقال الوزراء الشيعة احتجاجاً على المحكمة الدولية لملاحقة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فما ينصّ عليه الدستور بمقدّمته من أن “لا شرعيّة لأيّ لسلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، يتناول تكوين السلطة لا قراراتها، أي أن تتألّف حكومة تهدر حقّ أيّ طائفة بالتمثيل فيها. وهذه الحكومة تألّفت بعد تشاور مع قادة الثنائي الشيعي. واكتفاء الوزراء الشيعة بالانسحاب دون الاستقالة من الحكومة لا يمسّ ميثاقية القرار المتّخذ. كان التحريف السابق لمبدأ الميثاقيّة يتمّ بقوّة السلاح والهيمنة السوريّة – الإيرانيّة.
إسقاط تحريف الدّستور
5- أسقط القرار الحكومي التحريف المقصود لدستور الطائف بادّعاء “الحزب” أنّه تعدٍّ على بنوده. فليس في أيّ من موادّه أيّ كلمة تتناول سلاح مقاومة الاحتلال، وما شابه. أمّا النصّ الحرفيّ لـ”وثيقة الوفاق الوطني” في البنود السياسية لاتّفاق الطائف فيتضمّن في الفقرة “ج” من “البند الثالث: تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي”، الآتي: “اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية…”. تقصّد المشرّع عبارة “الإجراءات اللازمة” عام 1989، ليترك مجالاً لمقاومة الاحتلال بالوسائل العسكرية والوسائل الدبلوماسية على افتراض أنّ الدولة هي التي تتّخذ القرار في هذا الشأن.
6- بأسلوب احتجاجاته على القرار سقط “الحزب” في حفرة التسبّب بنقل المشكلة من إسرائيلية لبنانية إلى لبنانية لبنانية، الذي حذّر منه. فهتاف “شيعة شيعة ” ينذر بوضعه في مواجهة مع سائر الطوائف.