المصدر: أساس ميديا
الكاتب: خيرالله خيرالله
الخميس 27 تشرين الثاني 2025 07:12:28
يعكس إغتيال إسرائيل لهيثم علي الطبطبائي في حارة حريك، عمق الأزمة التي يعاني منها “الحزب”. في المقابل، يشير الإغتيال، وهو الهجوم الأوّل من نوعه لإسرائيل منذ خمسة أشهر على هدف في الضاحية الجنوبية، إلى قدرة “الحزب” على تحويل أزمته إلى أزمة ذات طابع لبناني.
تلك تبدو الورقة الأخيرة، بل اللعبة الجديدة، للحزب وإيران، وهي ورقة من المهمّ، إلى أبعد حدود، حرمانهما منها. لا لشيء، سوى لأنّ الأسابيع المقبلة تبدو حاسمة في شأن كلّ ما له علاقة بمصير البلد وقدرته على استعادة بعض عافيته بدل الإستمرار في الدوران في حلقة مقفلة. توجد فرصة أمام لبنان للخروج من دوامة الدوران على ذاته، خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان التغيير الكبير الذي حصل في سوريا وخروج إيران منها. مثل هذا التغيير ذو طابع تاريخي وجغرافي، لا خيار آخر أمام لبنان غير التأقلم معه بدل البقاء على هامشه.
في ضوء جدّية التهديدات الإسرائيلية للبلد، وفي وقت ليس ما يشير إلى وجود رغبة أميركية في منع الدولة العبريّة من تنفيذ هجمات جديدة في أماكن مختلفة من لبنان، يبدو أكثر من ضروري تخلّص لبنان من القيود التي جعلته أسيراً للسياسة الإيرانية ولمشروع توسّعي في حال تراجع على الصعيد الإقليمي.
يزيد من خطورة الوضع اللبناني غياب وسيط بين بيروت وواشنطن، وسيط يستطيع إقناع الإدارة الأميركيّة بأنّ الصبر ينفع مع لبنان. ليس ما يوحي بأنّ الإدارة الأميركيّة مستعدة لأخذ ورد مع المسؤولين اللبنانيين ما دام الحزب مصرّاً على الإحتفاظ بسلاحه وعلى التفريق بين جنوب الليطاني وشماله.
“الحزب” يعاني من أزمة عميقة
بات في الإمكان الحديث عن أزمة عميقة يعاني منها “الحزب” متى أخذنا في الإعتبار عجزه عن الردّ على إسرائيل. على العكس من ذلك، صار الأمين العام للحزب نعيم قاسم مضطراً للقول، قبيل إغتيال الطبطائي، إنّه “لم يعد من خطر على المستوطنات الشماليّة” في إسرائيل. أمس كان حسن نصرالله يعد أنصاره بالصلاة في القدس. اليوم يتحدث خليفته عن ضمانات لإسرائيل. كيف يمكن الجمع بين توفير هذه الضمانات لإسرائيل من جهة والإحتفاظ بالسلاح من جهة أخرى؟
لا تفسير لذلك غير أنّ سلاح “الحزب”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، لم يكن يوماً سوى سلاح موجّه إلى الداخل اللبناني. تلك كانت وظيفته أصلاً. لم يعد ممكناً في الوقت الحاضر التذرّع بما يسمّى “المقاومة” لتبرير بقاء السلاح. الفارق الوحيد أنّ إسرائيل، التي كانت في الماضي مع إحتفاظ “الحزب” بسلاحه، صارت الآن صاحبة أجندة مختلفة بديلة من التواطؤ الإسرائيلي – الإيراني على لبنان وجنوبه تحديداً.
باتت إسرائيل من يحدّد قواعد الإشتباك، إستناداً إلى تفسيرها لإتفاق وقف الأعمال العدائية الذي تمّ التوصل أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 27 تشرين الثاني – نوفمبر 2024. وقتذاك فاوض الرئيس نبيه برّي باسم الحزب. في وقت لاحق، وافقت الحكومة على الاتفاق، بمن في ذلك وزراء “الحزب” الذين كانوا فيها.
لا حاجة إلى تفسير خاص بإسرائيل للإتفاق الذي ينصّ على “تفكيك بنى الحزب بالكامل” بدءاً من جنوب الليطاني وصولاً إلى كلّ لبنان. في قلب الاتفاق القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في آب – أغسطس 2006. كلّ ما هو مطلوب من “الحزب” ومن يدافع عنه قراءة نص القرار الذي لم يستطع لبنان تنفيذه يوماً كونه يؤكد صراحة ضرورة التخلص من سلاح “الحزب” في كلّ الأراضي اللبنانيّة.
يُفترض في رئيس الجمهورية جوزف عون الذي ألقى خطاباً متميزاً عشية الإحتفال بعيد الإستقلال، خصوصاً أنّه ألقاه من الجنوب، عدم الإكتفاء بالكلام عن خريطة طريق للتوصل إلى إنسحاب إسرائيلي من جنوب لبنان. أكثر من أي وقت، تبدو الحاجة إلى الخروج من أسر “الحزب”، أي من أسر إيران.
الشيعة ليسوا السلاح
يبدأ ذلك برفض الربط بين الطائفة الشيعيّة والسلاح الذي يمتلكه “الحزب”. الشيعة ليسوا السلاح، بل هم مكون لبناني أساسي يستحيل تجاهله في بلاد لا أحد يلغي فيه أحداً. السلاح عبء على الشيعة الذين عانوا، قبل غيرهم، من السلاح المتفلت منذ توقيع إتفاق القاهرة المشؤوم في خريف 1969. السلاح عبء على لبنان ولا خيار آخر غير التخلص منه اليوم قبل غد.
كان الرئيس جوزف عون جريئاً في طرحه، لكنّ الإتكال على المجتمع الدولي وعلى الولايات المتحدة ليس كافياً، بل لن يؤدي إلى نتيجة. توجد في الوقت الحاضر أولويّة لبنانية تتمثل في معرفة ما الذي تريده إسرائيل، صراحة ومباشرة، في مقابل الانسحاب من جنوب لبنان بغية مباشرة عمليّة إعادة الإعمار.
تكراراً، توجد أزمة عميقة يعاني منها “الحزب” الذي لم ير أمامه غير لعبة الهرب إلى لبنان وتحميل الدولة مسؤولية حرب شنّّها على إسرائيل بطلب من إيران. لا مصلحة لبنانيّة في السقوط في لعبة “الحزب” وإيران. مصلحة لبنان في الإستفادة من الظروف الداخليّة والإقليمية المتاحة.
لا يدلّ على مدى تغيير الظروف أكثر من أنّ ميشال عون وصل في العام 2016 إلى قصر بعبدا لأنّه كان مرشح “الحزب”، في حين أنّ جوزف عون صار رئيساً في التاسع من كانون الثاني – يناير 2025 لأنّ “الحزب” لم يعد يمتلك القدرة على فرض رئيس الجمهوريّة الذي يريده على لبنان!