خطوة "التفرغ" الأخيرة بعهدة الحكومة!

ليس التأخير في انجاز ملف التفرغ في الجامعة اللبنانية مرده فقط إلى تدقيق في الحاجات. فرئيس الجامعة عكف منذ شهرين على إعداد ملف متكامل مرتكز على قاعدة الحاجات بعد تحديد الملاكات، وإن كانت ظهرت أخطاء في الجداول التي أعدتها الكليات. جرى التركيز على الحاجات في كل كلية ليتبين أن هناك 1100 أستاذ أو أكثر بقليل في التفرغ والملاك أحيلوا إلى التقاعد حتى السنة 2024، ونسبة التوازن الطائفي بين الاساتذة، إضافة إلى عدد الطلاب التي تبين ان أنه تراجع قياساً بالسنوات السابقة، على الرغم من تحسنه في السنة الحالية. جرى ايضاً تحديد عدد متعاقدي الجامعة الموظفين في الادارة العامة، والتدقيق في تاريخ عقود المرشحين للتفرغ، وهنا ظهرت ايضاً أخطاء في الجداول الواردة ليعاد تدقيقها مجدداً، إضافة إلى عدد الساعات وما إذا كان بعضها مجرد توظيف سياسي.


تبين أن عدد الاسماء في بعض الكليات يفوق الحاجات، وبعضها الآخر مضخم في اختصاصات واقسام لا يمكن تمريرها، لكن قسماً من أساتذتها يستحق التفرغ باعتبار أن أنصبتهم مستوفية وإن كان بعضهم يدخل اليوم إلى الصف ولا يجد أكثر من طالبين أو ثلاثة. ظهر أيضاً أن أعداد الإداريين الطامحين للتفرغ، كبيرة، وهي تضغط على الجامعة، بصرف النظر عن كفاءتهم الأكاديمية. أما في التوازن الطائفي، فتظهر الجداول وفق المعلومات أن هناك توازناً في كليات، واختلالاً في أخرى، فيما الخطورة تكمن أنه في بعض الفروع يكتسح لون طائفي واحد ويقابله في فرع آخر لون مذهبي مختلف، اي أن الدمج بين الكادر التعليمي في الجامعة غير موجود، وهذا يعود إلى ممارسات سابقة وتراكمات جعلت قوى سياسية وطائفية متعددة تهيمن على فروع الكليات المختلفة.


المخرج الذي ارتأته رئاسة الجامعة لإنجاز ملف التفرغ هو تقسيمه على ثلاث دفعات لثلاث سنوات يسنحق كل من يُدرج اسمه التفرغ، ووفق المعلومات يتضمن الملف الأول بين 800 و1100 استاذ يتحقق فيه شبه توازن طائفي، فيما الملف الثاني بين 300 و400، والثالث بالعدد نفسه، ليتفرغ 1800 استاذ في الجامعة. أما الاساتذة الباقون وعددهم 1500، فقسم منهم بلا نصاب، والقسم الآخر تعاقد أخيراً، ستسري عليهم وفق صيغة قانونية عقود المشاهرة التي تسمح بالقبض الشهري مع تعويض نهاية الخدمة، وهذا يتطلب تأمين مصادر تمويل، كما تأمين الأموال لملف التفرغ، والذي لا يزال يشكل عقدة في طريق إقراره في مجلس الوزراء.


الخطر الذي يهدد التفرغ، وقد يشكل عائقاً أمام إقراره، هو التدخلات السياسية والطائفية التي ظهرت أخيراً، وباتت تضغط تحت عنوان انجاز التفرغ، ليكون لها كلمة فيه. نواب ومسؤولون سياسيون بدأوا يتحدثون عن ضرورة انجازه، ووصل الأمر الى لجنة التربية النيابية. غاب هؤلاء طوال سنتين ثم بدأنا نشهد ضغطاً على رئاسة الجامعة التي كان يجب أن ترفع الملف في وقت سابق، وحصر إعداده أكاديمياً بالعلاقة مع وزير الوصاية، قبل أن تتكرر التجربة كما أجهض في الحكومة الحالية قبل أن تتحول إلى تصريف الأعمال بفعل الخلافات السياسية والمحاصصة والاشتراطات وتسجيل المواقف التي يرفع لواؤها البعض اليوم وهم كانوا حتى الأمس غير مستعدين لنصرة الجامعة وأهلها في بازار جديد تتصدره المطالبة بتأمين الإنتاجية للمتعاقدين، فيما لا أحد يطالب بتحصين الجامعة واحتضانها ورفع موازنتها لتتمكن من الصمود والاستمرار.


كلما تأخر إنجاز الملف سيواجه تعقيدات جديدة، والواجب رفعه أكاديمياً الآن إلى وزير التعليم العالي، وليكن في عهدة الحكومة طالما هي المسؤولة والتي تصادر صلاحيات الجامعة.