خفايا الدخان السام في طرابلس ... من يستبيح صحّة المواطن والبيئة فيها؟

على مدى يومين متتاليين، يستيقظ الطرابلسيون على انبعاث سموم الدخان التي تغطي سماء المدينة، ناشرة الروائح الكريهة الخانقة، التي تشي باستباحة متفاقمة للبيئة وللسلامة العامة، وتثير علامات استفهام حول خفايا وكواليس هذه الاستباحة، التي تحصل بين فترة واخرى دون رقيب او حسيب.

قضية الدخان الاسود الذي خيم فوق طرابلس لم يكن الاول من نوعه، فقد سبق ان شهدت المدينة وعلى فترات متعددة منذ عدة سنوات، الكثير من الدخان الاسود الناجم عن حرق اطارات الكاوتشوك لاستخراج الاسلاك المعدنية، منها في بؤر الخردة المنتشرة في سقي التبانة، وقد اتخذت اجراءات اكثر من مرة ضد هؤلاء، لكن في كل مرة يعاودون العمل في هذه البؤر دون وازع من ضمير.

هذه المرة، لم تكن البؤر وحدها، فقد اضيفت اليها بؤرة لترفع من المخاطر الصحية، في مدينة ترتفع فيها نسبة المصابين بالامراض السرطانية جراء التلوث المتواصل منذ سنوات...

دخان امس وامس الاول، اعاد ملف مطمر طرابلس ومعمل الفرز الى الواجهة، وبرزت اصوات تدعو لفتح هذا الملف على مصراعيه، وكأن المدينة لم يكفها ما تعانيه من حرمان واهمال على مختلف المستويات، مما جعلها الاكثر حرمانا وفقرا على الشاطىء المتوسط، بعد أن كانت رائدة المدن المتوسطية.

فمعمل فرز النفايات معطل، والحجة بالتمويل، والمطمر تحول الى جبل رابض على كتف اجمل شاطىء في الساحل اللبناني، تسيل عصارته لتصب في البحر، وتبعث الروائح السامة والقاتلة...

قضية المطمر والمعمل مزمنة، وحتى اليوم لم تجد وزارة البيئة حلا جذريا لها، سوى بعض الحلول الآنية غير المجدية، ودائما المبررات هي نقص التمويل.

رئيس جمعية اللجان الاهلية في طرابلس سمير الحاج قال ان "طرابلس تختنق بالدخان... أين الدولة؟! من بشنين – قضاء زغرتا، إلى البداوي، فالمحجر الصحي ومجدليا، اجتاحت سحب الدخان السام سماء طرابلس خلال اليومين الماضيين، نتيجة سلسلة حرائق عشوائية في مكبّات نفايات ، لتحول المدينة وسكانها إلى رهائن للتلوث والاختناق، وسط صمت رسمي مريب".

وحمل باسم الجمعية "وزارة البيئة ومحافظ الشمال واتحاد بلديات الفيحاء وسائر البلديات المعنية، مسؤولية ما يحدث، بسبب التقاعس عن معالجة هذه البؤر البيئية القاتلة، وعدم اتخاذ أي إجراءات عاجلة لحماية المواطنين من تداعيات صحية وبيئية قد تكون كارثية".

واضاف " إن طرابلس، المدينة التي تعاني أصلا من التهميش المزمن، لا تحتمل مزيدا من الإهمال. وإن استمرار تجاهل هذه الكوارث البيئية يعني تعريض مئات آلاف المواطنين في طرابلس والميناء والضواحي لأمراض تنفسية ومخاطر صحية جسيمة".

ورفع الحاج سلسلة مطالب ابرزها:

1- تحقيق فوري في أسباب هذه الحرائق، ومحاسبة المتسببين بها عمدا أو إهمالا.

2- إرسال فرق طوارئ بيئية إلى أماكن الحرق فورا، وتقدير حجم الضرر، وإجراء الفحوص اللازمة للهواء والتربة.

3- خطة متكاملة لإزالة المكبات العشوائية، ومنع تكرار هذه الجرائم البيئية ضد طرابلس وأهلها.

4- إعلان حال طوارئ بيئية وصحية إذا اقتضى الأمر، في ظل انعدام ثقة الناس بقدرة المؤسسات الرسمية على التحرك السريع.

وقال: "كفانا موتا صامتا... كفانا تهميشا... وكفانا استهتارا بمدينة أنهكها الإهمال، وآن لها أن تنعم بحقها في بيئة سليمة وكرامة صحية".

من جهة ثانية، وجهت محافظ لبنان الشمالي بالإنابة إيمان الرافعي كتابا الى قائد درك منطقة الشمال الإقليمية، طلبت فيه قمع ظاهرة حرق الدواليب والبلاستيك حفاظا على البيئة وصحة وسلامة المواطنين وجاء في نص الكتاب: "  أرسلنا العديد من الكتب لجانبكم ولجانب بلدية طرابلس، للقيام بقمع ظاهرة حرق الدواليب والبلاستيك، الا أنه بقيت تلك الأعمال المخالفة للقوانين والأنظمة مستمرة لغاية تاريخه. وحرصا منا على سلامة المواطنين والحفاظ على البيئة والصحة العامة، للتفضل بالاطلاع والايعاز لمن يلزم إقفال جميع بؤر الخردة غير المرخصة، وختمها بالشمع الاحمر ضمن نطاق محافظة لبنان الشمالي، وعلى الأخص في قضاء طرابلس بالسرعة الممكنة، وابلاغ أصحابها بالتقدم بطلبات الترخيص في محافظة لبنان الشمالي والافادة".

كما تقدمت بلدية طرابلس، ممثلة برئيسها الدكتور عبد الحميد كريمة، بواسطة وكيلتها القانونية المحامية رولا نجا، بادعاء أمام النيابة العامة الاستئنافية في الشمال، سجل ضد مجهول. وجاء في نص الادعاء: "استنادا إلى قانون حماية البيئة، الذي يُجرّم أي فعل يؤدي إلى تلويث البيئة من خلال الحرق العشوائي أو إساءة التصرف بالنفايات، وما نتج من الحريق من انبعاث روائح سامة ودخان كثيف، فإن بلدية طرابلس تتخذ صفة الادعاء الشخصي ضد كل من يظهره التحقيق فاعلا في هذه الجريمة، مطالبة بتوقيف المرتكبين وإحالتهم موقوفين أمام المرجع القضائي المختص، وإلزامهم بالتعويض عن الأضرار البيئية والمادية والمعنوية الناتجة من هذا الفعل."

واجرى كريمة ايضا اتصالا بمحافظ الشمال داعيا الى"ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه التعديات البيئية الخطرة، بما في ذلك إغلاق البؤر غير المرخصة التي تشكل خطرا دائما على البيئة والصحة العامة".

والجدير ذكره ان ازمة النفايات المنتشرة في الشوارع والمبعثرة لا تزال على حالها في طرابلس، وفي العديد من مناطق الشمال، ولم تسجل لغاية اليوم اي بوادر لحل هذه الازمة المزمنة والبالغة الاهمية.