خليل الحلو: الحرب الواسعة مازالت ممكنة

بعد أيام عاشها العالم متأهّباً في انتظار إيران، ردّت على الضربة الإسرائيلية لقنصليّتها في سوريا، التي ذهب ضحيّتها قادة في الحرس الثوري. مئات المسيّرات والصواريخ انطلقت دفعة واحدة باتجاه إسرائيل. توقّفت الملاحة في كلّ أنحاء المنطقة. حبس الجميع أنفاسه ثمّ تنفّسوا الصعداء. سارعت أميركا إلى الطلب من إسرائيل عدم الردّ ما دامت مصالحها لم تتأثّر بالضربة. قد تردّ وقد تمتنع، وفي الحالين هزّت الضربة كيان إسرائيل وألحقت به الأذى معنوياً. بينما فرضت إيران نفسها لاعباً إقليمياً أساسيّاً.

‎يستبعد المحلّل العسكري اللواء المتقاعد خليل حلو أن تعمد إسرائيل إلى الردّ على ردّ إيران لرفض الولايات المتحدة جرّ المنطقة إلى حرب. لكنّه في الوقت عينه لا يزال يرجّح كفّة الحرب الواسعة متى فقدت أميركا بقيادة جو بايدن القدرة على لجم إسرائيل.

‎في تحليله للضربة الإيرانية يقول إنّها “ردّة فعل” على استهداف إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع الشهر الجاري. ويذكّر أنّه “منذ عملية طوفان الأقصى سارعت إيران إلى إعلان أنّها ليست طرفاً في الحرب وأنّ المبادرة بيد حلفائها. على الرغم من أنّها تقف خلف تسليح حماس. وحتى الأوّل من الشهر الحالي يكون قد تمّ استهداف 17 قائداً عسكرياً إيرانياً في سوريا من دون أن تعمد إيران إلى الردّ. كما تغاضت عن الردّ خلال السنوات الماضية حين اغتيل علماء ذرّة في إيران واستهدفت إسرائيل مصانع مسيّرات ومراكز متّصلة بالبرنامج النووي. واليوم باتت إيران مجبرة على الردّ. وعدت بالردّ وبقيت 13 يوماً تهدّد به من دون أن تفصح عن كيفيّته. بل أحاطته بضبابية فأعلنت إسرائيل استنفارها إلى أن وقع الردّ”.

إيران لا تريد توسيع الحرب

قبل الردّ كان المراقبون يتوقّعون أن يكون مدوزناً. بدليل ما قاله المرشد الأعلى لجمهورية إيران السيّد علي خامنئي وعدد من المسؤولين الإيرانيين. من بينهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. أجمعوا على أنّ إسرائيل ستُعاقب وعلى أنّ إيران لن تجرّ المنطقة إلى حرب، وخاصة مع الولايات المتحدة الأميركية.

زار عبد اللهيان سلطنة عمان. وقال بعد الزيارة إنّه أبلغ العُمانيين بأنّ الردّ الإيراني سيتمّ بطريقة لا تشعل حرباً في المنطقة.

هنا يتوقّف الجنرال حلو عند هذه النقطة ليقلّل من أهمّية التحليلات التي تحدّثت عن تنسيق إيراني مسبق مع الولايات المتحدة حول الضربة: “التنسيق مستحيل، إذ لا يمكن لأيّ طرف أن ينسّق بشأن ضربة تفوق كلفتها مئة مليون دولار. قد يكون تمّ وضع سقف لعملية الردّ، وهذا ليس تنسيقاً. لكن قد يكون الطرف الإيراني حدّد سقفاً لردّه بحيث أبلغ الجانب الأميركي عزمه الردّ من دون اتجاه للتصعيد كي يبلغ الإسرائيلي بذلك”. لكنّ ” تحديد الإيراني لسقف ردّه لا يعني بالضرورة احترامه من قبل الطرف الآخر، أي إسرائيل”. وتساءل: “من توقّع أن تطول حرب طوفان الأقصى سبعة أشهر؟ هذا يعني أنّ التطوّرات مفتوحة على كلّ الاحتمالات ولو أنّ حدود العملية كانت معروفة سلفاً. لكن هل كانت الضربة محدودة فعلاً؟ نتحدّث هنا عن 331 مسيّرة وصاروخاً، بينها أكثر من 120 صاروخاً باليستياً انطلقت من مسافة تفوق 1,000 كيلومتر، فكيف يكون ذلك منسّقاً ومتّفقاً عليه مسبقاً؟”.

“هذا ليس ردّاً محدوداً”

يخالف القائلين إنّ الردّ كان محدوداً: “هذا ليس ردّاً محدوداً، لكنّه مدروس. لأنّ الإيرانيين يدركون أنّ لدى إسرائيل وسائل دفاع وأنّ الولايات المتحدة ستدافع عنها حتماً. وهذا ما حصل. إذ كانت للطائرات الأميركية والبريطانية اليد الطولى في إسقاط نحو 170 مسيّرة قبل وصولها إلى إسرائيل. وقسم آخر أسقطته الطائرات الإسرائيلية فوق لبنان. وهناك 30 صاروخ كروز عابراً للحدود لم تصل جميعها إلى إسرائيل. وهو ما يعني أنّ الإيراني كان مدركاً أنّه سيُصار إلى إسقاط العدد الأكبر من المسيّرات، وهذا ما يحصل في أوكرانيا. ولا أعتقد أنّ إيران كانت تتوقّع أقلّ ممّا حصل”.

يستبعد حلو ردّاً من إسرائيل على الردّ الإيراني: “لأنّ الولايات المتحدة واضحة جدّاً وأبلغت إسرائيل أنّه ما دامت الضربة محدودة فلا داعي للردّ وتعريض مشاريع الأمم المتحدة للخطر. لكن متى يحصل ردّ على الردّ فحينئذٍ ليس مستبعداً أن تردّ إيران وتستهدف مصالح أميركا الموجودة في المنطقة”.

ويتابع الخبير كلامه: “قد لا تردّ إسرائيل على أهداف داخل الأراضي الإيرانية. لكن قد تستهدف الحرس الثوري الإيراني خارج إيران في سوريا أو لبنان أو العراق. ويمكن أن تكون الاستهدافات على وتيرة أعلى ممّا كانت عليه في الماضي. وقد تستهدف القنصلية في العراق أو مركزاً للحرس الثوري في إيران. وهذا هو المرجّح. فضلاً عن تكثيف العمليات العسكرية على الحزب في لبنان.

‎في تقديره أنّ هذه الضربة لن تؤثّر على عملية التفاوض حول غزّة، لارتباطها بالأسرى والنازحين الفلسطينيين: “وتيرة الحرب لن تخفّ وإسرئيل لن تردّ على إيران، والحرب ستستمرّ بوتيرة أعلى وسنبقى ضمن سقف محدّد”. ويكمل تحليله: “الحرب مستمرّة ولا أفق لتوقّفها قريباً. فعّاليّة اللجم الأميركي ستكون عالية في المدى المنظور، لكنّها ستخفّ مع مرور الوقت. وخلافاً للتحليلات فإنّ 71 في المئة من الرأي العامّ الإسرائيلي يؤيّد رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو. ولولا أنّه محاط بمؤيّدين لما أكمل مسيرة حربه”.

متى ترتخي قبضة أميركا عن إسرائيل؟

سواء ردّت إسرائيل على ردّ طهران أو امتنعت عنه فإنّ احتمالات الحرب بحسب الجنرال المتقاعد “قائمة لكن ليس على المدى المنظور لأنّ أميركا ترفض الحرب. وحين تخفّ قدرة الضغط الأميركي على إسرائيل ستذهب إسرائيل إلى الحرب. لكن متى يحصل ذلك؟ إذا اقترب موعد الانتخابات في الولايات المتحدة في تشرين الثاني المقبل وأظهرت استطلاعات الرأي تراجع الرئيس جو بايدن. لكن حتى اليوم وحسب الاستطلاعات يتقدّم بايدن وإن لم يسبق الرئيس السابق دونالد ترامب. كلّ هذا مؤقّت ولا يمكن البناء عليه ومن المبكر حسم الموضوع من اليوم”.

ينفي الجنرال ختاماً إمكانية تأثير حرب غزّة على نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة: “وبالمناسبة فإنّ حرب غزة ليست هي التي تؤثّر على شعبية بايدن. بل ما يؤثّر على وضعيّة بايدن هو التضخّم الاقتصادي في الولايات المتحدة وسياسته تجاه جدار المكسيك الذي كان ترامب بدأ بناءه وأوقفه بايدن”. فـ”الحرب في الشرق الأوسط تؤثّر على نتائج الانتخابات الأميركية في حالة واحدة فقط، وذلك متى دخلتها أميركا مباشرة وسقط قتلى في صفوف الجيش الأميركي. لكن حتى اليوم لم تدخل الحرب وتعمل المستحيل لعدم وقوعها.”…