دبل: لن تَسرُق الحرب منّا فرح الأعياد

لم يكن صعباً على شباب وأطفال بلدة دبل الجنوبية اتخاذ قرار الإحتفال بعيد البربارة، فرغم القصف الذي لم يتوقف، خرج شبان البلدة في مسيرة، جابوا أزقتها تتقدمهم الشخصيات التنكّرية وأغاني المناسبة، وقدموا القمح للأهالي، في تقليد شعبي سنوي يقام في البلدة.

قرّرت دبل تحدّي الظروف الراهنة وهي معتادة ذلك، وخلق مساحة فرح وسط حالة التوتر والحرب التي تعيشها القرى الحدودية منذ السابع من تشرين الأوّل الماضي، وكما قال الأب جورج العميل: «من الصّعب أن تمرّ البربارة من دون الاحتفال بعيدها، لأننا أبناء حياة وسلام، هذه تعاليم الكنيسة».

يُبدي العميل خشيته من تطور الأحداث، غير أنه يؤكد «أنّ أهالي دبل صامدون في بلدتهم، ووجّه شبابها رسالتهم مشدّدين على تجذّرهم وثباتهم، وأنّهم لن يتركوا أرضهم».

عكَس احتفال البربارة ارتياحاً في البلدة التي صمد فيها حوالى 30 في المئة من أبنائها، يتحدّون كل الظروف الأمنية والاقتصادية والمعيشيّة الصعبة. يعتمد معظم أهاليها على الزراعة، وأبرزها التبغ، إضافة إلى الأسلاك العسكرية وبعض الموظّفين والعاملين لدى قوّات «اليونيفيل»، لكن القطاع الزراعي تضرّر كثيراً جرّاء القصف، ما ترك أثاره الاقتصادية الوخيمة على الأهالي، ومع ذلك يؤكّد العميل أنّ «الناس قرّرت البقاء على قاعدة أنّ المقاومة ليست بالسلاح فحسب، بل بالصمود أيضاً».

لا تبعد دبل كثيراً عن رميش وعيتا الشعب التي تتعرض لوابل من القصف المباشر اليومي، تربط هذه القرى علاقة أخوية قوية على ما يؤكد العميل الذي يرى أنّ هذه «العلاقة المتينة لا يمكن لأحد أن يفهمها، نظراً لعمقها وتجذّرها، فنحن أبناء بيئة واحدة».

هذا ما يؤكده رئيس بلديه دبل خليل حنا الذي لفت إلى أنّ «الظروف الراهنة التي نعيشها، لن تسرق منّا فرح الإحتفال بالأعياد المجيدة والمباركة. فبعد البربارة نتهيّأ لاستقبال ميلاد السيّد المسيح الذي زار الجنوب وأرضنا، لهذا وبالرغم من كل ما نمرّ فيه سنبقى نحتفل بأعيادنا لأننا أبناء الرجاء والحياة والسلام والمحبّة».

كباقي القرى والبلدات الحدودية، انعكست الحرب على حياة أهالي دبل، التي تعدّ بلدة متوسّطة، إذ يبلغ عدد سكّانها القاطنين (قبل الأزمة) نحو 2700 شتاءً ويرتفع صيفاً إلى 4000 شخص. لا تحوي البلدة الكثير من المحال التجارية، وهذا أدّى وفق حنا إلى شحّ في المواد الغذائية بسبب الأوضاع الأمنية السائدة. ويعتمد الأهالي حاليّاً على المساعدات والإغاثات التي تصل عبر الجمعيات المسيحيّة تحديداً. أما مساعدات الدولة فلم تصل بعد، مردفاً «وين في دولة عنّا؟».

إذاً بدأت تتكشف أثار الحرب وتداعياتها على القرى الحدودية الجنوبية، إذ صار النشاط الاقتصادي معدوماً، ما يُهدّد الإستقرار المعيشيّ، في ظل غياب الدور الحكومي، كما أشار الأب جورج العميل إلى أنّه «لم يزرنا أي مسؤول أو يسأل عن أحوال أهلنا»، ما يعكس حجم الإهمال الكبير من قبل الدولة اللبنانية تجاه أبناء تلك القرى الحدودية، الذين قرّروا، ولا سيّما في دبل ورميش وعين إبل، أن يعيشوا فرح الأعياد تحت القصف والرصاص.