دماء المسالخ تتدفق الى نهر الليطاني... بدنايل على صفيح ساخن!

تتصاعد المخاوف في منطقة بدنايل، البقاع، بعد رصد تسرّب لمياه صرف صحي ملوّثة باللون الأحمر، في ظاهرة أثارت هلع السكان ودَفعت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني إلى التحرّك الفوري. فعطفا على البيان السابق للمصلحة والمتعلق بالشكاوى، التي وصلت بشأن وجود مكب نفايات وتسربات غير طبيعية في المنطقة، كشفت المعطيات الأولية أن مصدر التلوث يعود إلى كميات من الدماء المتسربة من بعض المسالخ، والتي تُصرَّف بشكل غير معالج في مجرى المياه. هذا النوع من التلوث يُعدّ من أخطر أشكال النفايات السائلة، نظرا لما يحمله من ملوثات عضوية وجرثومية قادرة على الإضرار بالبيئة والصحة العامة على حد سواء.

تراكم ملوثات خطرة… بيئة مائية على شفير الانهيار

إن تسرّب الدماء ومخلفات الذبح في مجرى مائي أو شبكة صرف صحي غير مهيّأة يُشكّل بيئة مثالية لتكاثر البكتيريا، خصوصا تلك الممرِضة مثل الإشريكية القولونية والكلوستريديوم. وفي ظل غياب أي معالجة أولية أو ثانوية، يجد هذا الخليط طريقه مباشرة إلى الأراضي الزراعية أو القنوات المائية المرتبطة بحوض الليطاني، ما يزيد من احتمالات تلوث التربة والمياه الجوفية.

كما أنّ اللون الأحمر الواضح للتسرب ليس مجرّد علامة بصرية مقلقة، بل مؤشر على وجود كميات كبيرة من الدماء الطازجة، التي تحتوي على نسب مرتفعة من المواد العضوية القابلة للتحلل، والتي تستهلك الأوكسجين الذائب في الماء عند تحللها، مما يقود إلى خنق الكائنات المائية وإحداث خلل كبير في التوازن البيئي.

تداعيات صحية تطال السكان والمزارعين

لا تقتصر خطورة التسرب على البيئة الطبيعية فحسب، بل تمتدّ إلى صحة السكان، ولا سيما في المناطق التي تعتمد على مياه الآبار أو القنوات المجاورة لري المزروعات. فالتعرض المستمر لمياه ملوّثة بالدماء أو بمخلفات المسالخ قد يؤدي إلى انتشار أمراض منقولة عبر المياه، أبرزها الالتهابات المعوية، التسمم الجرثومي، وأمراض الكبد.

 

كما أن تلوث المحاصيل الزراعية بالمياه الملوثة قد يعرّض المستهلكين إلى مخاطر صحية غير مباشرة، خصوصًا في حال تناول الخضروات النيئة المزروعة على طول خط التلوث. أما الروائح المنبعثة من هذه المياه، فهي دليل آخر على نشاط الجراثيم والتحلل العضوي، ما يزيد من الإزعاج الصحي والبيئي للسكان.

مكب نفايات غير منظّم… مصدر إضافي للتلوث

وبحسب المعلومات التي تتابعها الجهات المختصة، فإن وجود مكب نفايات في المنطقة يزيد من تعقيد المشهد البيئي، خصوصًا إذا كان يُستخدم لرمي مخلفات عضوية وصناعية بشكل عشوائي. فاختلاط مياه الصرف الملوّثة بالدماء مع العصارات الناتجة عن النفايات يخلق مزيجًا سامًا عالي الخطورة، قد يساهم في ارتفاع مستويات المعادن الثقيلة والملوثات الكيميائية في التربة والمياه. هذا الأمر يُضاعف تأثير التلوث ويجعله أكثر صعوبة على المعالجة، إضافة إلى تهديده المباشر للتنوع الحيوي في المنطقة.

ضرورة إطلاق خطة بيئية مستدامة

إن ما حدث في بدنايل ليس حادثًا معزولا، بل حلقة في سلسلة من الانتهاكات البيئية التي يعاني منها حوض الليطاني منذ سنوات. ولعلّ هذه الواقعة تُعيد تسليط الضوء على الحاجة الملحّة إلى معالجة جذرية لمشكلة الصرف الصحي غير المعالج، وضبط عمل المسالخ، وتشديد المراقبة على مجاري الأنهار والأودية. كما يجب تعزيز البنية التحتية البيئية، وإطلاق برامج توعية ومحاسبة فعّالة، تضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية وصحة سكان المنطقة.

إن تسرّب مياه صرف صحي ملوّثة باللون الأحمر في بدنايل يُعد جرس إنذار جديد، يؤكد هشاشة الوضع البيئي في البقاع وحساسية موارد نهر الليطاني. ومع أن الإجراءات الفورية تشكّل خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن حماية البيئة تتطلب رؤية بعيدة المدى، والتزاما حقيقيا من المؤسسات المعنية، لضمان عدم تكرار هذه الحوادث التي تهدد المياه، التربة، الصحة العامة، والبيئة اللبنانية ككل.