المصدر: نداء الوطن
الكاتب: أنطوان مراد
الأحد 23 تشرين الثاني 2025 06:59:13
تشي المعطيات برمتها تقريبًا بمرحلة مقبلة خطرة في ضوء ما آل إليه قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية التزامًا باتفاق وقف إطلاق النار، من ارتباك وبطء نتيجة التهويل والابتزاز اللذين يراهن عليهما "حزب الله" في موازاة نوع من التردد والتمهل من قبل أركان الحكم والحكومة، لا سيما في ضوء الحرص على التنسيق والتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يحترف الإمساك بالعصا من وسطها، ويمارس لعبة عرقلة تطبيق القرار بحجج متنوعة، علمًا أن الحجة الأبرز هي الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس في الشريط الحدودي.
وفي هذا المجال، يقول قيادي سيادي، لا أحد يريد تبرئة إسرائيل أو تبرير اعتداءاتها، لكنها نفذت عمليًا جانبًا كبيرًا من مقتضيات وقف النار، وبالأخص الانسحاب من معظم الأراضي والقرى التي احتلتها والتوقف عن التعرض لقيادات "الحزب" وحصر غاراتها بأهداف محددة بما لا يرقى إلى ما كان قبل وقف النار من غارات واسعة وعنيفة لا توفر بشرًا ولا حجرًا، علمًا أن البديل في حال استمرار المراوحة هو دورة عنف جديدة وشديدة تترك لبنان في مهب الريح.
ولذلك، قصة "الأولوية لمن للدجاجة أم للبيضة" لا تستقيم في هذا المقام، لأن "حزب الله" هو في موقع الخاسر، ولأن تخلي "حزب الله" عن سلاحه لا يعني انكشاف لبنان أمام إسرائيل، فالبديل هو الجيش اللبناني وسائر القوى الأمنية، بالتعاون مع قوة "اليونيفيل" جنوب الليطاني، فضلًا عن الضمانات التي توفرها لجنة "الميكانيزم"، وقد بات من نافل القول أن من أعاد إسرائيل إلى الجنوب هو قرار التورّط في إسناد غزة، والأمر ذاته يصح على حرب تموز 2006 والتي انتهت بـ "لو كنت أعلم".
ويحذر القيادي من وتيرة تصاعدية للعنف قد ترتدي شكل غارات أشد وطأة تستهدف مناطق عدة جنوبًا وضاحيةً وبقاعًا إلى توسيع دائرة الأسماء الكبيرة المستهدفة، وصولًا إلى احتمال تطورها نحو حرب مفتوحة تستمر فترة من الزمن، وبالتالي، فإن لبنان إما بصدد حرب استنزاف طويلة وموجعة وإما بصدد حرب عنيفة وقصيرة نسبيًا تنتهي بوقف إطلاق نار جديد بشروط أشد قسوة.
أما إذا أصر "حزب الله" على المكابرة والمعاندة، فإن لبنان سيكون أمام واقع مختلف، باعتبار أن "حزب الله" يتصرف وكأن الدولة لا تعنيه ويعلن ذلك جهارًا، الأمر الذي يستتبع مقاربة أخرى تدفع بمكونات وفرقاء آخرين إلى البحث عن كيفية الاستمرار في وطن يقتطع "الحزب" عمليًا جزءًا من أرضه وقدراته المالية والاقتصادية ويحتفظ بسلاحه لحماية هذه المكتسبات غير الشرعية وغير المشروعة.
وفي مطلق الأحوال، إن البحث في تركيبة جديدة للنظام بات أمرًا لا بد منه أيًا كانت نتائج الصراع الراهن، علمًا أن هذه التركيبة ينبغي أن تحافظ على وحدة لبنان وصيغة العيش المشترك ولكن مع ضوابط وهوامش تحفظ التنوع وتمنع أي مكون من الهيمنة على مكون أو مكونات أخرى، بما يكرس ضمانة لحماية الميثاق الوطني والشراكة.
وإذا كان الأميركيون لا يهتمون كثيرًا بالتفاصيل الداخلية المتعلقة بالنظام وتطويره باعتبار أنها مسألة طبيعية وربما صحية عندما تتم بالتفاهم والتفهم، فإنهم معنيون أكثر بموقف الدولة اللبنانية من أمرين أساسيين كما يقول دبلوماسي أميركي سابق: الأول، تحجيم "حزب الله" كقوة نافذة عسكريًا وماليًا وصولًا إلى تحوله حزبًا سياسيًا بحتًا، إذ لا يمكن التسليم بأوضاع طبيعية في مختلف بلدان المنطقة، باستثناء استمرار لبنان خاضعًا لثنائية الدولة والسلاح غير الشرعي، ما يقتضي فصل "حزب الله تدريجًا عن النفوذ الإيراني". وهذا مغزى رسالة إلغاء مواعيد قائد الجيش في واشنطن، انطلاقًا من أن الإدارة الأميركية تؤيد عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام، لكنها في الوقت عينه غير مستعدة البتة للتساهل في مسألة حصر السلاح، ولن تسلّم بما يحصل من بطء ومبررات في تنفيذ القرار بهذا الشأن.
أما الأمر الثاني، فيتمثل بطمأنة إسرائيل مرة أخيرة ونهائية إلى سلامة حدودها الشمالية وعدم تحوّل لبنان في أي لحظة إلى ساحة معادية، وهذا يقتضي إنهاء ظاهرة السلاح بيد "الحزب". وليس صحيحًا أن الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين والعرب قد يقبلون باستمرار "حزب الله" على سلاحه خارج الجنوب ومحافظًا على بنيته العسكرية ولو مجردًا من السلاح الثقيل، لأن التجارب بما فيها الحرب الأخيرة أثبتت أن "الحزب وبدعم إيراني جليّ وكبير كان يخطط لضرب إسرائيل في العمق ضربات موجعة وصولًا إلى احتمال اقتحام حدودها الشمالية وإجبارها على التسليم بمعادلة إقليمية جديدة وبلبنان ولاية تابعة مباشرة لإيران، وإلا ما معنى امتلاك "حزب الله" مئات المخازن والأنفاق والمراكز المدججة بالسلاح والتجهيزات على أنواعها عدا تلك الموجودة خارج الجنوب بما تضمه من أسلحة وصواريخ استراتيجية ودقيقة؟
وهذا الواقع يفرض على "حزب الله" عاجلًا أم آجلًا إعادة النظر في خياراته الاستراتيجية إن بالنسبة للاعتراف بالدولة اللبنانية فعليًا ونهائيًا والتسليم بسيادتها الناجزة، أو بالنسبة لفك ارتباطه العسكري والمالي بإيران، علمًا أن ارتباطه العسكري بالجمهورية الإسلامية لن يكون ذا أثر مهم في ظل انكفاء عاملي السلاح والمال. وإذا كانت إيران ما زالت تتمسك بشدة بـ "الحزب" كفصيل تابع لها، فإن الوقائع والتطورات ستدفعها قسرًا إلى الانكفاء وتدفع "الحزب" إلى إعادة تقييم موقعه وحساباته.