ديوك محطات الوقود: مهنة جديدة مربحة للقبضايات

كتب محمد علوش في المدن:

في الصيف الماضي، إبّان اشتداد أزمة المحروقات، وظهور الطوابير أمام المحطّات لتعبئة الوقود، كثُرت الإشكالات ووصلت حدّ القتل أحيانًا. والسبب ببساطة غياب القوانين وضعف الأداء الأمني، وولادة ظاهرة جديدة يمكن تسميتها ظاهرة "ديوك المحطات".

العضلات والسلاح
في الأزمات المماثلة، وفي ظل غياب مؤسسات الدولة عن أداء دورها في رعاية المواطنين وتأمين حقوقهم، تسود شريعة الغاب، ويسيطر القوي بعضلاته وسلاحه على الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوّة. وهذا يؤدي إلى ولادة "أعمال" جديدة، مثل العمل في السوق السوداء لبيع البنزين. ونشط هذا النوع من الأعمال خلال الأزمة التي يمرّ بها لبنان، حتى بات البعض يعتمد عليها كعمل يومي، فينتظر أمام المحطة ساعات لتعبئة البنزين ثم تفريغه وبيعه بالغالونات.
إلى جانب هذا النوع الجديد من العمل، برزت "مهنة" جديدة، امتهنها "زعران الأحياء"، ومن خلالها سيطروا على المحطات في أحيائهم، وصاروا يقررون من يحصل على مادة البنزين ومن لا يحصل عليها، معتمدين على "القوة" و"الزعرنة" لفرض سطوتهم على صاحب المحطة، الذي غالبًا ما يُبرم اتفاقًا مع هؤلاء، ليتمكن من الاستمرار في العمل، واتّقاء شرورهم.

وطالت هذه الاتفاقات سلسلة محطات في مدينة بيروت وخارجها. ويمكن القول إن "كل ديك على محطته صيّاح"، وما يسري على بيروت يسري على باقي المناطق.

خدمة مدفوعة الثمن
"نحن نقدّم خدمة مدفوعة الثمن لصاحب المحطة وزبائنه"، يقول أحد المسيطرين على محطة وقود تقع على مشارف ضاحية بيروت الجنوبية، معتبرًا في حديثه إلى "المدن" أن "الأزمات تخلق الفوضى، والفوضى تحتاج الى من ينظّمها، وفي ظل غياب الدولة، نحن نقوم بهذه المهمة".

لا يقبل الرجل بأن يُحسب من الخارجين عن القانون والنظام. ويقول إنه يقوم بعمله برضى صاحب المحطة، وأحيانًا في ظل وجود قوى أمنية: "نحن مجموعة من 10 أشخاص ننظم عملية الحصول على البنزين، ونمنع الإشكالات ونحمي المحطة، مقابل نسبة معينة نحصل عليها من صاحب العمل كبدل أتعاب، يصل أحيانًا إلى مليون ليرة للشخص الواحد، في حال كانت ساعات العمل طويلة". وهو يشير إلى أن هذا العمل يختلف عندما تكون كمية البنزين المتوفرة في المحطة غير كافية للجميع.

يضحك الشاب الأربعيني عندما نسأله عن "الخطّ العسكري"، أو عن التعبئة عندما تكون المحطة مقفلة، والتعبئة خلال الليل تحت جنح الظلام لبعض المحظيين. ويقول إن هذه التدابير تُتخذ عندما تكون كميات البنزين غير كافية لتلبية طلبات الزبائن. فعندها نعتمد هذه الطريقة لبيع زبائن المحطة، وبعض الأشخاص "يلي بمونوا علينا"، متفاخرًا بأن هذه الخدمة هي مقابل ثمن. والثمن يكون عادة زيادة ما بين 10 إلى 20 بالمئة على ثمن الصفيحة، وحسب الزبون، على أن تزيد النسبة أحيانًا خلال الليل.

ويتحدث الرجل عن عملية البيع بالغالونات، فيُشير إلى أن هذه "المصلحة" ازدهرت أثناء وجود المغتربين الذين كانوا يرفضون قضاء إجازتهم على محطات الوقود. فكانوا يطلبون الحصول على البنزين "دليفري". ونحن كنا نؤمن لهم هذه الخدمة. فكنا نشتري الصفيحة من صاحب المحطة بسعرها الرسمي ونبيعها إلى الزبون بضعف السعر أحيانًا. وهذا العمل لم يعد رائجًا اليوم كما في السابق، بعد وصول سعر الصفيحة إلى 450 ألف ليرة. وهو يتوقع أن يزدهر خلال الصيف، لأن المغتربين هم أساس هذا العمل.

ومع بداية الأزمة حصلت إشكالات عديدة بين المجموعات هذه على مناطق النفوذ. واحيانًا وقعت صدامات مسلحة أسفرت عن سقوط جرحى، يقول الشاب، مشيرًا إلى أن هذه الإشكالات لم تعد تحصل لأن "الخطوط رُسمت" وتقسيم مناطق العمل أصبح واضحًا ومحسومًا.

تقلِّص السرقات
من الطبيعي أن تكون لأحزاب كل منطقة أفضلية لدى أصحاب المحطات. لكن الأساس هو دور المجموعات التي امتهنت هذه المهنة منذ عام، وعادت إليها اليوم بعد ظهور بوادر أزمة البنزين مجدداً. وفي هذا السياق، تكشف مصادر أمنية أن هذه المجموعات تعتاش على الفوضى. فهي التي تسيطر على كثير من الأعمال الممنوعة والمشبوهة في الأحياء والمناطق، وتشير المصادر إلى أن عمل هذه المجموعات على المحطات العام الماضي، وعملها في السوق السوداء، أبعدها عن القيام بالسرقات. فانخفضت نسبة السرقة الصيف الماضي في بيروت، وعادت لترتفع خلال فصل الشتاء. والقوى الأمنية أوقفت العديد منهم الصيف الماضي، وهي لن تتوانى عن توقيف المزيد في المستقبل.