رؤوس مدبرة تدير مخطط التغيير الديمغرافي...من لاسا إلى القرنة السوداء فالمريجة !

"الأرض لنا...أرضي مش للبيع"... ليست إلا شعارات يتغنى بها المسؤولون السياسيون والروحيون لبث أجواء من المعنويات وضخ المزيد من عصب الوجود المسيحي الذي يفترض أن يكون الأساس للصمود والتماهي مع الواقع المأساوي على كافة المستويات. وإذا أردنا أن نتكلم بركائز الصمود فهي تبدأ من الأرض والجذور.  لكن الأرقام على أرض الواقع تُسقط كل الشعارات المضللة. وتكشف عن حقائق تستدعي دق ناقوس الخطر.

المشهدية هذه المرة من داخل إحدى دوائر السجلات العقارية. فالحقيقة الواحدة مجردة من أي تزييف ومفادها أن نسبة 33 في المئة من أراضي المسيحيين إما مصادرة أو مملوكة من قوى الأمر الواقع أو معروضة للبيع لأسباب تتعلق بثقافة غالبية العائلات المسيحية في لبنان التي تلجأ إلى بيع قطعة أرض تركها الأجداد لتعليم أبنائهم في الجامعات. أما اليوم فالأسباب لم تعد محصورة بالحاجة المادية إنما بالتغيير الديمغرافي على امتداد مساحة الوطن". هكذا يبادر مسؤول في إحدى الدوائر العقارية عند سؤاله عن واقع حركة بيع الأراضي في لبنان. وما يحزّ أكثر في قلبه أنه في وقت ينشغل السياسيون في ما يصنفونه بـ "الأولويات"، إلا أن الخطر الأكبر يكمن في عمليات بيع الأراضي من دون أن تتنبه الكنيسة والمعنيين بذلك.

هذا الخطر الداهم يعود إلى عدة عوامل منها غياب لوبي مسيحي لبناني  يمنع بيع الأراضي أو شراء أي أرض تطرح للبيع من قبل المسيحيين بهدف الحفاظ على الوجود، وتحويل الأرض الى سلعة ما يتيح بيعها في سبيل تحقيق ربح ماديّ أو شرائها بغية اعادة بيعها أو بهدف تسيير أوضاع مادية خانقة وتسديد اقساط جامعية أو مدرسية. وفي السياق تشير مصادر مطلعة على حركة بيع الأراضي لـ"المركزية" إلى مشروع القانون الذي قدّمه الرئيس رفيق الحريري عام 1997  ضمن الموازنة والذي أزال بموجبه "براءة الذمة البلدية وحق الشفعة". الأمر الذي فتح شهيّة الطامعين بأراضي المسيحيين وحوّل العديد من رؤساء البلديات وكتّاب العدل الى سماسرة.

قد لا يكون خطر بيع الأراضي محصورا بالمشاعات التابعة للكنيسة والرهبانيات والمسيحيين ولعله يطال أيضا أراضي لطوائف إسلامية لكن الأكيد أن عملية قضم أراضي المسيحيين تتزايد تارة بقوّة المال وطورا بسطوة السلاح، وتارة بحكم الديمغرافيا وطورا بفعل الإختلاف بمفاهيم الحياة وأنماط العيش.

فبعد لاسا والقرنة السوداء ملف جديد يطرح تحت عنوان أراضي الغدير أو ما يعرف بمنطقة المطار ومستشفى الرسول الأعظم.

عقاريا، تشير المعلومات إلى أن غالبية هذه الأراضي ملك للكنيسة أو الرهبانيات كما الحال في بلدة لاسا، أو لأصحابها من الطائفة المسيحية. وقد تم تشييد المباني والمؤسسات التجارية عليها بقوة الامر الواقع بحسب "رئيس حركة الأرض" طلال الدويهي واصفا الداعين إلى التنبه من عمليات قضم الأراضي بالقوة ب"الواجهة والوجاهة".

وفي تفاصيل ملف أراضي الغدير العقاري يوضح "أن مجمل المساحة يبلغ حوالى 100 ألف متر مربع موزعة في ملكيتها بين مطرانية بيروت للموارنة بنسبة 60 في المئة و40 في المئة لمواطنين مسيحيين. وفي كل مرة كان يطرح الدويهي على راعي أبرشية بيروت للموارنة السابق المطران بولس مطر مسألة ضرورة تحريك الملف لتسوية وضع أراضي الغدير كان يأتيه الجواب"طوّل بالك عم ينشغل ع الملف". وهذا مؤكد لأن المعطيات الموجودة لدى حركة الأرض تشير إلى أن الحوار بين طرفي الكنيسة والمعتدين على الأراضي كان سيفضي إلى إيجاد تسوية بدفع كلفة الأراضي.

انتهت جولة حوار وبدأت آخرى ولم ينجز شيء من ملف تسوية أراضي الغدير التابعة بحسب الدويهي إلى منطقة المريجة التي كانت غالبيتها من العائلات المسيحية "واليوم لم يبق أثر الوجود المسيحي في هذه البلدة إلا الكنيسة والقاعة المخصصة للمناسبات وموقع رئاسة البلدية لأن غالبية الناخبين من الطائفة المسيحية لكنهم ما عادوا ينتمون إلى المريجة إلا الإسم المدون على سجلات النفوس.

قوى الأمر الواقع فرضت واقعا ديمغرافيا جديدا وبات إبن المريجة المسيحي مخيّراً بين العيش وسط بيئة لا تشبهه أو بيع الأرض والمنزل أو النزوح ليعود لاحقا ويجد البيت مستملكا بقوة الأمر الواقع من عائلات شيعية "وباستثناء كنيسة وقاعة مار جرجس والمدارس الثلاث التي تعود لمسيحيين لم يبقَ شيء من وجه المريجة المسيحي". يقول الدويهي.

وكما "الأرض لكم" فهي "أيضا لنا" يضيف، "لكن مخطط التغيير الديمغرافي تديره رؤوس مدبِّرة وإذا أسقطنا من حساباتنا الأسباب البديهية التي تدفع بعض العائلات المسيحية إلى بيع الأرض لأسباب تتعلق بتسديد الأقساط الجامعية إلا أن ثمة واقع لا مفر منه وهي الحرب التي أثرت بشكل مباشر على الوجود المسيحي يضاف إلى ذلك عدم تحرير وتحديد نسبة 37 في المئة من الأراضي .ويأسف الدويهي لتجاهل الأحزاب المسيحية من هذا الخطر الداهم وعدم تعاطي المسؤولين الروحيين والزمنيين بجدية مع هذا الملف.

أبعد من تمنّ هنا ومن نصيحة هناك، "خطران داهمان يهددان الوجود المسيحي في لبنان وهما: التغيير الديمغرافي عبر بيع الأراضي أو قضمها، والنزوح السوري. وإذا كان خيار السياسيين ورؤساء الأحزاب المسيحية والكنيسة في لبنان والكرسي الرسولي في الفاتيكان التريث ثم الثريث ثم التريث...فنحن نرفض أن نخبئ رأسنا في التراب أو ندفن حقنا في استرداد أرضنا" يختم الدويهي.