رسامني يُوضح ما جرى ويفند خطط المستقبل

شكّل مشهد الفيضانات في شوارع بيروت وبعض المناطق صورة نمطيّة تعكس حالة البنية التحتيّة المترهّلة في لبنان، ما دفع وزير الأشغال العامة فايز رسامني لفتح باب النقاش وتوضيح الحقائق حول أسباب هذه الأزمات المتكرّرة والخطط المستقبليّة، حيثُ أكّد أن "السبب الأساسي للتجمّعات لم يكن خللًا في البنية التحتيّة، بل السيول التي حملت كميات كبيرة من النفايات العشوائيّة والعبوات إلى داخل مصارف الأمطار، ما أدّى إلى انسدادها.

سلّط وزير الأشغال العامة فايز رسامني في مقابلة مع "نداء الوطن"، الضوء على الأسباب الحقيقيّة لتجمّعات المياه وطرق معالجتها، وكشف عن رؤية الوزارة المتكاملة لتطوير مطار رفيق الحريري الدولي على ثلاث مراحل، إلى جانب التطرّق إلى خطط تطوير مطار القليعات ومرفأي بيروت وطرابلس، وأولويّات النقل والخطط الحكومية المستقبليّة.

خللٌ في البنية التحتيّة

بالحديث عن تجمّعات المياه في خلدة وغيرها من المناطق اللبنانيّة من جرّاء العاصفة الأخيرة، أوضح رسامني أن "ما شهدناه بالأمس (أي أمس الأول) لم يكن وضعًا طبيعيًا، بل هطولات مطرية استثنائيّة خلال فترة قصيرة جدًا. الأرقام الرسمية من مصلحة الأرصاد الجوية تؤكّد أنه بين الساعة 10:07 و 10:37 تساقط 25.4 مم من الأمطار، وفي الفترة بين 10:14 و 10:28 فقط هطلت 22.2 مم خلال 15 دقيقة، أي ما يُعادل 89 مم بالساعة. وهذه كميات تفوق بثلاثة أضعاف المعدّل العالميّ الذي يُعدّ كفيلًا بإحداث تجمّعات مائية حتى في المدن الأكثر تقدّمًا".

ويُشير إلى أن "السبب الأساسيّ للتجمّعات لم يكن خللًا في البنية التحتيّة، بل السيول التي حملت كميّات كبيرة من النفايات العشوائيّة والعبوات إلى داخل مصارف الأمطار، ما أدّى إلى انسدادها".

أمّا على مستوى الأداء الميداني، فيلفت إلى أن "فرق الوزارة كانت مستنفرة منذ ليل أمس، وتمكّنت من التدخل الفوري في كل النقاط ضمن نطاق مسؤوليتنا: خمس دقائق لفتح المصارف في الرحاب وطريق المطار القديمة، عشر دقائق في نفق مار مخايل، وستون دقيقة في خلدة رغم الازدحام. والأهم أن عددًا من النقاط الحسّاسة تاريخيًا لم يشهد أيّ تَجمُّعات مياه، وللمرّة الأولى منذ سنوات، ما يعكس مباشرة نجاح الصيانة التي قمنا بها قبل العاصفة وهذه النقاط هي: جونية – الهوا تشيكن، ضبية، داخل نفق المطار وآخر نفق المطار، دوحة الحصّ – مقابل الـ Laguna، السلطان ابراهيم – الجناح، والدّامور، مثل ما يعكس نجاح الأعمال الاستباقية التي قمنا بها قبل العاصفة".

بالتالي، يؤكّد رسامني أنه "نعم حصلت تجمّعات مائيّة نتيجة شدّة الهطولات ونفايات عشوائية جرفتها السيول، لكن تدخل فرق الوزارة كان سريعًا وفعّالًا، وأعدنا الوضع إلى طبيعته في وقت قياسي".

وعن كيفيّة التعامل مع الانهيارات والحفر وتكرار الأعطال، يُشدّد على أن "الأعطال الشتوية ناتجة بمعظمها عن شبكات تحت أرضية متضرّرة وعن النفايات العشوائية التي تسدّ مجاري مياه الأمطار. وفي حادثة خلدة الأخيرة، تبيّن أن الانخساف سببه عطل كبير في القسطل الرئيسي الذي يزوّد بيروت وضواحيها بالمياه، ما أدّى إلى تآكل طبقات الطريق. وقد تابعنا الحادث ميدانيًا منذ اللحظة الأولى بالتنسيق مع بلدية الشويفات ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، اللتين بدأتا فورًا بالإصلاح وإعادة التأهيل. أمّا حادثة انخساف الأرض في تلة الخياط والفيضانات التي شهدتها العاصمة بيروت، فهي ضمن نطاق بلدية بيروت الإدارية ولا تخضع للوزارة، ومع ذلك نحن على جهوزية دائمة للتدخل والمساعدة عند الحاجة".

عدم تكرار الانهيارات

- كيف تضمنون عدم تكرار انهيارات الطرق في الشتاء؟

- "نحن نطبّق اليوم مقاربة تقوم على الصيانة الوقائية، انطلاقًا من فحوص تقنية دورية لشبكات الطرق، ومعالجة نقاط تصريف المياه، وتقوية البنية الإنشائية للطرق الحسّاسة، وصولًا إلى تطوير آليات التلزيم وتعزيز رقابة الجودة. كما رفعنا مستوى المتابعة على المتعهّدين".

يتابع: "بالتوازي مع التخطيط التقني، نفذت الوزارة معالجات ميدانية واسعة في النقاط السوداء الواقعة ضمن نطاق صلاحياتها، وهي النقاط التي كانت تسجّل تجمّعات مياه وانجرافات متكرّرة، ومنها المعالجة الجذرية لأسباب الفيضانات في نفق المطار – الكوكودي – خلدة عبر إصلاح حائط المطار الشرقي وخطوط التصريف الصحية عند مدخل النفق، إضافة إلى معالجة تجمّع المياه على السرب الشرقي من أوتوستراد خلدة. كما عملت الوزارة على تكبير خط تصريف مياه الأمطار في محيط الطريق الساحلي القديم بين خلدة والناعمة، واستبدال خط التصريف القديم بخط جديد يمتدّ حتى البحر في منطقة لوحة الحص – مقاب LAGUNA، وتنظيف مصبّ جسر الدامور من النفايات والردم بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار"، مُشيرًا إلى أنه "كذلك استُبدل خط التصريف القديم في منطقة جونية – هوا تشيكن بخط جديد بعمق 8 أمتار لمعالجة الانسدادات المتكررة الناتجة عن التعدّيات على المجرى الطبيعي، فيما شملت أعمال منطقة ضبية توسيع قناة وإصلاح العبارة المكسورة على الطريق الدولي".

ويُوضح أنه "إلى جانب المعالجات البنيوية، رفعت الوزارة جهوزيتها التشغيلية عبر فرق طوارئ منتشرة على مدار الساعة في معظم النقاط الحسّاسة خلال الشتاء، تتدخل فورًا عند أي تجمّع للمياه أو أي طارئ مناخي لضمان عدم تطوّر الحالات وتفادي أي إقفال للطرق".

المشاريع الحاليّة

أمّا أبرز المشاريع التي تنفذها الوزارة حاليًا في مجالات الطرق والجسور، فيوضح رسامني أنهم عملوا "على وضع قطاع الطرق على مسار واضح يقوم على التنفيذ الفعلي، من خلال خطة صيانة وطنية شاملة "لبنان على السكة" تمتدّ خمس سنوات وتغطي 25 قضاء في 7 محافظات، وتشمل 3,000 كلم من أعمال الصيانة و 500 كلم من إعادة التأهيل والتزفيت. وقد نُفذت الأعمال حتى الآن بالكامل من موازنتي 2024– 2025. وشملت المشاريع تأهيل الطرق الدولية والرئيسية ومنها أقضية البترون، الكورة، الضنية، المتن، جبيل، وعكّار…. إلى جانب معالجة الطرق الداخلية بالتنسيق مع البلديات عند عجزها المالي، وإعادة تأهيل عدد من الجسور والممرّات الحيوية كغاليري سمعان – السلطان إبراهيم وجسري فيدار وغزير، وإعادة تأهيل طريق صيدا القديمة وغيرها".

يُضيف: "أعدنا تشغيل الإنارة في أنفاق الأوزاعي، وأنفاق المطار، وبحمدون والفينيسيا، ونعمل حاليًا على تزويد أنفاق شكا بإضاءة هجينة. وفي سياق متصل، سرّعنا تنفيذ الأعمال على طرق زيارة البابا، وأنهينا قبل موعد الزيارة كل الأشغال المطلوبة في عنايا، حريصا، بكركي، جونيه، والواجهة البحرية. كما أطلقنا مؤخرًا، بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار، مشروع استكمال قسم العطشانة – عين علق من طريق المتن السريع بعد تأمين التمويل، وهو مشروع حيوي يسهّل الحركة في المتن ويعزز السلامة المرورية".

خطة شاملة؟

لدى سؤاله، "هل هناك خطة شاملة لإعادة تأهيل شبكة الطرق الرئيسية والداخلية بالتعاون مع البلديات أو الجهات المانحة؟"، يُجيب رسامني: "تنسيقنا مع البلديات غالبًا ما يكون تنسيقًا اضطراريًا بسبب ضعف قدراتها المالية، وعندما بلغت أوضاع الطرق الداخلية مستويات غير مقبولة بادرت البلديات ونواب المناطق إلى طلب الدعم، فاستجبنا ضمن الإمكانات وبأولويات تحدّدها الوزارة بعد الكشف الفني المباشر. أمّا في المشاريع الكبرى، فنحن نعمل بالتوازي مع الجهات المانحة ومجلس الإنماء والإعمار على تحضير ملفات جاهزة فور تأمين التمويل".

توسعة مطار رفيق الحريري

بالانتقال إلى الحديث عن مطار رفيق الحريري الدولي، وهل من نيّة لتوسعته؟، يلفت رسامني إلى أنه "لدينا رؤية متكاملة من ثلاث مراحل لتطوير مطار رفيق الحريري الدولي. نعمل حاليًا على الـ Fast Track ومن المتوقع أن يرفع القدرة الاستيعابية بحوالى مليوني مسافر إضافي سنويًا. أمّا في المدى المتوسط (2025–2030)، فترتكز رؤيتنا على رفع القدرة الاستيعابية إلى 16 مليون مسافر من خلال إنشاء مبنى جديد للركاب في الجهة الغربية وتحديث الأنظمة التشغيلية والأمنية وتعزيز دور المطار كمركز عبور إقليمي. وفي المدى الطويل (2030 وما بعد)، نتجه إلى إنشاء مبنى جديد بالكامل في الجهة الشرقية بما يسمح بوصول القدرة الاستيعابية إلى 20 مليون مسافر سنويًا".

مطار القليعات

وفي ما يتعلّق بوضع الخطط لمطار القليعات (رينيه معوّض)، يُوضح أنه "بدأنا فعليًا بالإجراءات، وقد أطلقنا مرحلة إبداء الاهتمام (EOI) وتلقينا حتى الآن أكثر من 26 عرضًا من شركات لبنانية وإقليمية ودولية كبرى، ما يعكس جدوى تشغيلية واقتصادية حقيقية للمطار. هدفنا هو تشغيل مطار حديث يخدم الشمال وكل لبنان، ويوفر منصة لوجستية جديدة تدعم الاقتصاد الوطني".

مرفأ بيروت

ما هي خطتكم لإعادة إعمار مرفأ بيروت؟ وماذا عن الأهراءات؟، يقول: "وضعنا خارطة طريق للإصلاح الشامل تبدأ بعمل اللجنة الإدارية الموقتة الجديدة وإعداد استراتيجية وطنية تقوم على إنشاء هيئة ناظمة مستقلة. أطلقنا أيضًا مشروع فحص الحاويات في بيروت وطرابلس عبر أجهزة سكانرز حديثة للحدّ من التهريب وتعزيز الشفافية، ونتسلّم الدفعة الجديدة هذا الشهر. نحن ملتزمون بالاستثمار في كل متر من المرفأ، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، ومواكبة المعايير الحديثة. أمّا ملف الأهراءات فهو ملف حسّاس، وقد أكدت أن أي قرار لن يُتخذ من دون التشاور الكامل مع عائلات الضحايا".

بالنسبة إلى مرفأ طرابلس، وإذا ما كان ممكنًا أن يلعب دورًا أكبر؟ يُوضح رسامني أننا "نعمل مع مجلس إدارة مرفأ طرابلس الجديد على وضع رؤية استراتيجية للسنوات الخمس المقبلة تعزز دوره كمركز اقتصادي وتجاري أساسي، مع اعتماد مبادئ الحوكمة الرشيدة والتقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي لرفع الكفاءة. ندرس تطوير الأرصفة، وتحسين الخدمات اللوجستية".

النقل العامّ

وفي ما يخصّ "النقل العامّ"، ومصير سكك الحديد، يقول: "نعمل اليوم على توسيع خطوط الباصات، وقد ارتفع عدد الركاب إلى نحو 7,000 راكب يوميًا، ضمن منظومة تشغيل تشمل الـ GPS، غرف المراقبة، بطاقات الدفع المسبق، وتطبيقًا موحّدًا للمواطنين، ونتوقع وصول دفعات جديدة من الباصات قريبًا. وفي موازاة ذلك، نحافظ على 403 كلم من مسارات سكك حديد و 48 محطة، بانتظار القرار النهائي لإعادة تشغيل القطار. وقد عرضنا مؤخرًا، بالتعاون مع الـ UNDP، أول باص نقل عام كهربائي يعمل بالطاقة الشمسية، على أن يبدأ تشغيل أربعة باصات كهربائية جديدة تربط بين بيروت وجبيل في المرحلة المقبلة، بما يعزز النقل المستدام والصديق للبيئة".

أولويّات الإنفاق

- الموازنة محدودة. كيف تحدّدون الأولويات في الإنفاق؟ ما هي أولوياتكم للمرحلة المقبلة؟ ومتى سيشعر المواطن بالتحسّن؟

-"الأولويات تُحدَّد وفق معيارين: السلامة المرورية وتأثير الطريق على حركة الناس. لذلك بدأنا بالطرق الأكثر تضررًا، ونجحنا رغم محدودية التمويل في إعادة تفعيل صيانة غالبية الطرق العامة وإصلاح الجسور المهدّدة. سنستكمل الأعمال وفق موازنة 2026 وبوتيرة متصاعدة. أولوياتنا واضحة، استكمال مشاريع الصيانة، إطلاق مشاريع استراتيجية جديدة، تعزيز السلامة على الطرق، تطوير البنى التحتية للمطارات والمرافئ، وتوسيع شبكة النقل العام. وسيبدأ المواطن بلمس النتائج تدريجيًا".