المصدر: نداء الوطن
الكاتب: رماح الهاشم
الاثنين 25 آب 2025 06:42:57
بعد سنوات من الانهيار المالي وتراجع الثقة بالاقتصاد، عادت الليرة لتُشكّل محور الاهتمام مع رصد أي إشارة إيجابيّة تصدر عن المؤسسات الدولية. وهكذا اعتُبر رفع التصنيف الائتماني للبنان إلى مستوى CCC خطوة رمزية تحمل بعض الأمل، إذ توحي بوجود إرادة لدى الدولة للانطلاق في مسار التعافي. غير أنّ هذا التحسن يبقى هشًّا ما لم يُرفق بإصلاحات جدّية تطال المالية العامة، القطاع المصرفي، وأزمة المودعين العالقة منذ أكثر من أربع سنوات. بين التفاؤل الحذر وواقع الأزمات المستمرة، يطرح السؤال نفسه: هل يكفي هذا التطور لإعادة إحياء الثقة بالليرة اللبنانية، أم أنّ الطريق ما زال طويلًا نحو استقرار مستدام؟
أعلنت وكالة التصنيف الائتماني العالمية "ستاندرد أند بورز " (S&P) عن رفع التصنيف الائتماني طويل الأجل للدين المحلي اللبناني بالعملة المحلية من CC إلى CCC، وتعديل النظرة المستقبلية outlook من "سلبية" إلى "مستقرة". في المقابل، أبقت الوكالة على تصنيف الدين بالعملة الأجنبية عند مستوى "تخلف انتقائي" (Selected Default).
جاء هذا القرار، عقب تقييم الوكالة الذي أجرته خلال الأسبوع الأخير من شهر تموز، والذي شمل اجتماعات مع السلطات اللبنانية، ولا سيّما وزارة المالية ومصرف لبنان. واستندت الوكالة في قرارها إلى تحسّن الوضع المالي العام، مع تسجيل فوائض أولية في المالية العامة على مدى العامين الماضيين، واستكمال المنهج المالي من خلال سياسة تعزيز الواردات والإنفاق ضمن الإمكانيات التمويلية المتاحة خلال النصف الأول من العام الحالي، كما واستعادة وتيرة الإصلاحات، وهو ما عكسته التعيينات الأخيرة بعد فراغ سياسي دام عامين، إضافة إلى إقرار قانوني السرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف كخطوات أساسية في اطلاق عملية النهوض.
وأشارت "ستاندرد أند بورز" إلى أنّ التصنيف ما زال مقيدًا بالمخاطر الأمنية المستمرة، وضعف معدلات النمو الاقتصادي في ظل عدم الاستقرار، والاحتياجات القائمة في ما خصّ تمويل إعادة الإعمار، فضلاً عن الاستحقاقات السياسية المقبلة، ولا سيما الانتخابات النيابية، التي ربما قد تؤدّي إلى إبطاء إقرار بعض الإصلاحات الضرورية للنهوض باقتصاد فعّال يسمح باستقطاب روؤس الأموال والاستثمارات.
ورأت الوكالة، أن السير بتنفيذ إعادة هيكلة القطاع المصرفي من خلال إقرار قانون الفجوة المالية (Gap Law) وإعادة الودائع، والتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإعادة هيكلة محفظة اليوروبوندز، من شأنه أن يفتح آفاقًا إيجابية أمام لبنان، ويمهّد لرفع تصنيفه .
تصنيف دوري
في هذا الإطار، يُوضح الخبير والباحث في الشؤون الاقتصادية والمالية محمود جباعي لـ "نداء الوطن"، أنّ "تصنيف وكالة "ستاندرد أند بورز" S&P هو تصنيف دوري تُصدره بشكل منتظم لعدد من الدول. في ما يخصّ لبنان، كان التصنيف سابقًا عند مستوى CC لجهة قدرة الدولة على سداد ديونها بالليرة اللبنانية وعلى صعيد الاستقرار النقدي. كانت النظرة حينها تعتبر أن الوضع هشّ".
يُتابع: "لكن بعد أكثر من سنتين من تطبيق سياسة الاستقرار النقدي، وبفعل إدارة مصرف لبنان كتلة النقد بالتعاون مع وزارة المالية وضبط السيولة، تمكن البلد من تحقيق قدر من الاستقرار. نتيجة لذلك، رفعت S&P التصنيف إلى CCC، معتبرة أن الوضع في الأشهر المقبلة قد يشهد استقرارًا نسبيًا، وهو ما يُعد خطوة إيجابية بعد الأزمات التي مررنا بها".
ويلفت جباعي إلى أنّه "بحسب الوكالة، فإن قدرة لبنان على الالتزام بدفع ديونه بالليرة باتت أوضح، طالما أن هناك إدارة مالية متوازنة وضبطًا للكتلة النقدية، مع توافر الموارد اللازمة لتغطية النفقات والرواتب بالعملة الوطنية".
خطوات إضافية
ورغم أن التصنيف الجديد يعكس تحسنًا، إلا أنّ جباعي يرى أنّ "لبنان ما زال بحاجة إلى خطوات إضافية ليعود إلى مستويات تصنيف أفضل مثل B B أو حتى أعلى، شرط تعزيز الإيرادات بالليرة عبر الموازنات المقبلة، واستمرار الاستقرار النقدي، وإجراء الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد والمجتمع الدولي.
من جهة أخرى، يشير جباعي إلى أن S&P أشارت إلى أنّ "تصنيف لبنان المتعلق بقدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها بالعملات الأجنبية ما زال منخفضًا جدًا، وقريبًا من التصنيف الأدنى (SD قبل الأخير، يليه D) والسبب هو غياب رؤية واضحة للتعاطي مع ملف حملة اليوروبوندز، وهو ما يستوجب إعادة هيكلة الدين والتفاوض مع الدائنين. تحقيق تقدم في هذا الملف قد يساعد لبنان أيضًا على الخروج من هذا الإطار السلبي".
في المحصّلة، يُعتبر رفع التصنيف إلى CCC خطوة إيجابيّة تُعطي إشارات مهمة للمستثمرين في الداخل والخارج، وللمجتمع الدولي حول جدّية لبنان في محاولة تحقيق الاستقرار. لكن هذه الخطوة تبقى غير كافية، إذ لا بد من استكمال الإصلاحات المالية والاقتصادية، تنفيذ خطة التعافي، معالجة أزمة المودعين، والتوصل إلى اتفاق مع الدائنين. عندها فقط يمكن للبنان أن يُحقق تصنيفات أفضل ويستعيد الثقة على المدى المتوسط والطويل.