رموز وسلام وألوان… بيروت تحتفل بالبابا بتجربة بصرية استثنائية

منذ لحظة هبوط طائرة البابا لاوون الرابع عشر في بيروت، كان المشهد استثنائياً. اللبنانيون استقبلوه بكل حبّ وحماس، من دبكاتهم التقليدية وزخم الشوارع المزدحمة، إلى أعلام الفاتيكان والكشافات التي انتشرت من أجل المناسبة تحديداً. حتى الأمطار لم تُربكهم، فقد حضّروا ملابسهم المناسبة، كأنهم كانوا بانتظار هذه اللحظة منذ زمن.

وكما يُقال دائماً: "اللبنانيون بيبَيّضوا الوج". وهذا ما لفت نظر الصحف الإيطالية والعالمية، التي تحدّثت عن هذا الاستقبال الحار. أمّا التأثر فكان واضحاً في عيني الحبر الأعظم، وتحديداً خلال اللحظات المؤثرة التي التقطتها الكاميرات أثناء العرض البصري على واجهة قصر بعبدا.

في هذا السياق، كان لـ"النهار" حديث مع مصمّم العرض البصري إميل عضيمي، الذي كشف تفاصيل العمل ومرحلة ابتكار الفكرة. يقول: "اتّصل بي المخطط والمنفذ إلياس سركيس، ومسؤول الإضاءة روجيه باخوس، بتكليف من السيدة الأولى، التي رغبت في تنفيذ عرض 3d Mapping على القصر الجمهوري لمناسبة الحدث التاريخي: زيارة قداسة البابا إلى لبنان. كانت الرسالة رسالة سلام، وكانت المسؤولية كبيرة جدّاً".

روح الفكرة ورمزيتها
يشرح عضيمي أن الرؤية انطلقت من مشهد زجاجٍ متكسّر يتطاير من كل الجهات، ليجتمع في نقطة مركزية على واجهة القصر، ثم يدور ليُشكِّل الأرزة. مشهدٌ أراد من خلاله التعبير عن لبنان المتعب، المتشظّي، الذي رغم كل ذلك يجتمع تحت راية واحدة. وبعد تَشكُّل الأرزة، تتحوّل الشاشة إلى لوحة فيتراي من الزجاج الملوّن.

وللمشروع بعدٌ روحي شخصي لدى عضيمي، إذ إن شقيقته راهبة في روما مع "أخوات يسوع الصغيرات". يقول: "هذا منحني مسؤولية مضاعفة… كنت أفكر فيها طوال الوقت، وكانت قد أوصتني بأن أبذل كلّ جهدي ليكون العمل بمستوى يليق بقداسة البابا الذي تحبّه كثيراً".


الرموز والألوان والتفاصيل
يضيف عضيمي: "كان من الطبيعي أن يتضمّن العرض رموزاً مثل حمامة السلام، وعلمَي الفاتيكان ولبنان، إضافة إلى عناصر مستوحاة من ساحة الفاتيكان. هناك عصف أفكار متواصل مع السيدة الأولى والمنظمين، وتبادل دائم للرؤى بهدف تطوير المفهوم".

لقطة من العرض البصري في القصر الجمهوري من تصميم إميل عضيمي  (خاص النهار)
يتابع: "شخصياً رغبت في تقديم شيء يشعر البابا بأنه قريب منه، لذلك استوحيت الفيتراي الموجود في الفاتيكان ليكون في وسط الشاشة. ومنه انطلقت كلمات سلام و Peace ومترادفاتها بـ12 لغة، تتوزع بشكل دائري نحو المباني المحيطة بالقصر، في عرض يمتدّ على 180 درجة".


التنفيذ التقني
يصف عضيمي المشروع بأنه من أكثر الأعمال تميزاً في مسيرته. صحيح أن لكلّ مشروع خصوصيته، لكن تنفيذ عرض بهذا الحجم في قصر بعبدا، لمناسبة وصول البابا، وضعه أمام مسؤولية مضاعفة.
تقنياً، استخدم الفريق 3D Animation لعناصر الزجاج المتكسّر والأعلام والمواد الصلبة، ثم 2D Animation لـ Compositing وتجميع المشاهد مع الإضاءة".

العرض كان غامراً (Immersive)، إذ امتدّ على الأعمدة والمباني المحيطة بالقصر. ويضيف: "طلبت إضافة شاشة فوق القصر لنتمكّن من سرد القصة على مساحة أوسع، بدل أن تُحصر في نطاق ضيّق. وهكذا أصبح العرض ممتداً على 180 درجة عبر مبانٍ متعددة".

ولإكمال الصورة الفنية، شكّلت الموسيقى التي قدّمها العازف Aleph جزءاً أساسياً من التجربة. فقد جاءت متناغمة مع روح الحدث، وملائمة لمقام قداسة البابا، ما أضفى على العرض بُعداً روحياً إضافياً عزّز وقع الرسالة وتأثيرها على الحاضرين.

وكان حضور المخطط إلياس سركيس أساسياً في إدارة المشروع منذ لحظته الأولى، إذ تولّى تنسيق كل التفاصيل بين الفريق التقني والمنظّمين والسيدة الأولى، ما سمح بتحويل الأفكار المتبادلة إلى خطة عمل واضحة ومنفّذة بدقة.


لحظة تحت المطر
"كنت تحت المطر بين الناس، بعد أن وصلت متأخراً قليلاً. وبدأوا بتوزيع المظلات البيض ثم هطلت الأمطار — وهو أسوأ ما يمكن أن يحدث خلال Projection Mapping، خصوصاً في حدث تاريخي كهذا. شعرت بالأسى حين عدت إلى المنزل بعدما رأيت كيف كان المطر يهدّد كل شيء. لكن عندما شاهدت ردود فعل الناس، دموع الكثيرين، والتأثر العميق على وجه البابا نفسه، أدركت أن كل التعب كان يستحق. هذه لحظة ستبقى في ذاكرتي طوال حياتي".

ورغم صعوبة الظروف المناخية، يشير عضيمي إلى أن "الإضاءة التي نفّذها روجيه باخوس لعبت دوراً حاسماً في اكتمال المشهد البصري. فبرغم الأمطار الغزيرة، نجحت الإضاءة في إبراز أدق التفاصيل التي كان من الصعب إظهارها في هكذا طقس، ما جعل العمل يبدو متكاملاً ومضيئاً كما لو أنّ السماء كانت صافية، ومكّنت العرض من الحفاظ على جماله وقوته رغم الظروف القاسية".