زيارة بن سلمان إلى واشنطن... محطة محورية تُعيد رسم استراتيجيات المنطقة

تُمثل الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن لحظة محورية في العلاقات الأميركية - السعودية، إذ تمتد آثارها إلى ما هو أبعد من العلاقات الثنائية لتشمل الشرق الأوسط الأوسع والبنية الإقليمية التي شكّلتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبينما ينتظر صانعو السياسات هذا الاجتماع التاريخي، فإن جدول الأعمال حافل بالمطالب الاستراتيجية والحسابات الجيوسياسية: طموحات السعودية لشراكة دفاعية متطورة، والجهود الأميركية لتعزيز التطبيع مع إسرائيل، ومصير "اتفاقات أبراهام" وسط رمال متحرّكة في دبلوماسية الشرق الأوسط.

لطالما كان سعي المملكة العربية السعودية إلى الحصول على ضمانات أمنية رسمية من واشنطن حاضرًا، ولكنه أصبح ملحًا في ظلّ الصدمات الإقليمية الأخيرة، وتصاعد الصراع والتنافس مع إيران، وصدمة هجمات الطائرات المسيّرة على منشآت "أرامكو" في بقيق عام 2019. وتشير التقارير إلى أن تعهدًا دفاعيًا قيد الإعداد، وهو أقل من معاهدة، ولكنه أقوى من التعاون الظرفي. يسعى الأمير محمد بن سلمان إلى ضمانات قوية، ومعدّات عسكرية متطورة - بما في ذلك أسطول من مقاتلات "أف 35" - ومساعدة في تطوير برنامج نووي محلي، بينما يسعى البيت الأبيض إلى انتزاع أقصى قدر من النفوذ للتطبيع السعودي - الإسرائيلي واستمرار التفوّق الأميركي في أمن الخليج.

ووفقًا لمصادر دبلوماسية أميركية، ينظر فريق ترامب إلى الاتفاق على أنه "حجر الزاوية لإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية"، حيث يوفر دفاعًا معززًا مقابل احتضان سعودي أكثر علنية لإسرائيل. ومع ذلك، يحذر مراقبون في الكونغرس من أن أي تحالف رسمي أو بيع أسلحة متطورة، خصوصًا مقاتلات "أف 35"، يواجه رياحًا سياسية معاكسة، بما في ذلك مطالب باتخاذ خطوات سعودية ملموسة "لا رجعة فيها في شأن التطبيع وإقامة الدولة الفلسطينية".

بالنسبة إلى واشنطن وتل أبيب على حد سواء، يمثل الاعتراف السعودي بإسرائيل جائزة دبلوماسية بعيدة المنال. ويضع الموقف العلني لإدارة ترامب، التطبيع، على أنه تتويج لـ "اتفاقات أبراهام" ونقطة انطلاق لـ "شرق أوسط جديد"، أقلّ ثقلًا بالعداوات التاريخية، وأكثر تركيزًا على التقارب الأمني والتكامل الاقتصادي. ومع ذلك، فقد كرّر الأمير محمد بن سلمان الخطوط السعودية الحمراء المعلنة، مُصرًّا، وفقًا لمصادر أميركية مطّلعة على الإحاطات التي تسبق القمة، على أن موافقة المملكة لا تزال مشروطة بـ "تحرّك لا رجعة فيه" نحو دولة فلسطينية ذات سيادة - وهي شروط لا تزال غير قابلة للتنفيذ بالنسبة إلى حكومة نتنياهو الحالية. وبالتالي، فإن الاستراتيجية الأميركية الحالية تتمثل في موازنة الحوافز: طرح ضمانات دفاعية متقدّمة دون معاهدة صريحة، والإشارة إلى الانفتاح على اتفاقات تجارية وتكنولوجية جديدة، مع حجب مبيعات الطائرات المقاتلة من الدرجة الأولى حتى تتخذ الرياض خطوات تطبيع حاسمة.

فالموقف الأميركي سيؤكد الأهمية المتجدّدة للرياض كشريك أمني في عصر تنافس القوى العظمى مع الصين، فضلًا عن المخاوف في شأن السلوك الإيراني المتجدّد من الخليج إلى لبنان. وتصف مصادر في الخارجية الأميركية والبنتاغون محادثات الدفاع بأنها "أساسية"، مشدّدة على رسالة واشنطن التي تدفع في اتجاه التوافق بشكل أوثق وأكثر صراحة مع المصالح الأميركية، وفي المقابل الحصول على مزيد من الأمن والحرّية لمتابعة أجندة تحديثات "رؤية 2030"، بما في ذلك المشاركة في التعاون النووي والتكنولوجي المتقدّم.

بالنسبة إلى الرئيس ترامب، يُعد توسيع "اتفاقات أبراهام" هدفًا يُميّز إرثه. ويصف فريق عمله الحالي المسار السعودي بأنه "المحور الرئيسي لإعادة ضبط الشرق الأوسط"، على أمل في أن يدفع أي تقدّم مع الرياض شركاء عربًا جددًا، ربّما عُمان أو الكويت أو حتى دول شمال أفريقيا، إلى تعميق العلاقات مع إسرائيل. الأهمّ من ذلك، أن موقف ترامب السياسي لا يهتم بالدعم الخطابي للدولة الفلسطينية بقدر ما يهتم بتأمين التزامات واضحة لا رجعة فيها ضدّ ضمّ الضفة الغربية، بما يتماشى مع وعوده للشركاء العرب.

وتشير مصادر قريبة من البيت الأبيض إلى أن كبار مسؤولي الإدارة الأميركية طرحوا، في اجتماعات خاصة مع مبعوثين سعوديين وإسرائيليين، إقامة تكتلات تجارية إقليمية جديدة وخططًا لإعادة إعمار غزة، تعتمد على التعاون الخليجي - الإسرائيلي، معتبرين أن "الوقت قد حان" لإعادة تنظيم استراتيجي أوسع. في الوقت نفسه، يحذر ترامب من المبالغة في الالتزام، إذ إن الدعم الذي يقدّمه الكونغرس لمعاهدة دفاع خليجية "ثابتة لا تقبل التغيير" محدود، والبيت الأبيض يدرك تمامًا المخاطر السياسية المترتبة على توفير أسلحة متطوّرة وتكنولوجيا نووية للمملكة.

القمة القادمة ليست مجرّد احتفالية. إنها، كما يقول محلّلون أميركيون، اختبار ضغط حاسم: فهل تستطيع الولايات المتحدة والسعودية تكييف شراكتهما مع الحقائق الإقليمية الجديدة، أم أن المطالب بعيدة المنال - في شأن التطبيع، والضمانات الأمنية، ونقل التكنولوجيا - ستُحبط صفقة تغيّرت آفاقها إيجابًا وسلبًا على مدى نصف عقد تقريبًا؟

الدوافع الأميركية الأساسية واضحة. ترى واشنطن الرياض قوة حليفة لا غنى عنها، وإن كانت معقدة: حصن منيع ضدّ إيران، ورافعة في الساحة الإسرائيلية - الفلسطينية، وبوابة إلى أسواق الطاقة ورأس المال العالمية. بالنسبة إلى السعودية، تُعدّ الشراكة الأميركية أساسية للدفاع والاستثمار والتحديث، ومع ذلك، تظلّ القدرة على التفاوض مع بكين وموسكو خيارًا احتياطيًا قيّمًا. من هنا، تأتي تحذيرات الخبراء الأميركيين من أن تفويت هذه الفرصة قد يُهدّد بترسيخ حالة عدم اليقين في بيئة إقليمية متقلّبة أصلًا... والأشهر الستة المقبلة ستُبيّن ما إذا كان هذا تحوّلًا حقيقيًا نحو نظام جديد، أم مجرّد وهم بالتغيير.