زيارة عون إلى سلطنة عُمان.. نجاحات سياسية وتفاهمات اقتصادية مهمة

في زيارة وصفت بأنها من الأكثر أهمية على مستوى العلاقات الثنائية بين لبنان وسلطنة عمان، فتح رئيس الجمهورية جوزاف عون صفحة جديدة من التعاون بين بيروت ومسقط، واضعاً أسساً لمسار اقتصادي واعد يتجاوز الإطار البروتوكولي التقليدي للزيارات الرسمية.

وإذا كانت المحادثات السياسية قد شكّلت عنواناً بارزاً، فإن ما حملته الاجتماعات من مضمون اقتصادي يعكس توجهاً عُمانياً - لبنانياً نحو الاستثمار في الفرص المتاحة رغم التحديات التي يمرّ بها لبنان.

لقد أراد الرئيس عون أولا أن يُطلع سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد على التزامات لبنان، بشأن ملف السلاح وانتشار الجيش اللبناني، وعدم قيام إسرائيل بالإنسحاب من الأراضي اللبنانية، واستمرارها في الاعتداءات على المناطق اللبنانية.

وتميّز اللقاء بالتفاهم التام، الذي عبّر عنه البيان المشترك، بشأن القلق «الشديد إزاء استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، واحتلال الأراضي العربية، وما يشكّله ذلك من انتهاك صريح للقرار 1701، ولقرارات الشرعية الدولية».

كما في المطالبة، «بالوقف الفوري لهذه الاعتداءات، والانسحاب الكامل من كافة الأراضي اللبنانية والعربية المحتلة، مع دعم الجهود الدولية، لمنع التصعيد، وتثبيت الاستقرار، وتسهيل عودة النازحين، وإعادة الإعمار».

ومن هذا المنطلق يتوقع أن يكون للسلطنة دوراً ريادياً في دعم مطالب لبنان دولياً، استناداً إلى قدراتها الدولية في صناعة التسويات.

لا شك أن رئيس الجمهورية فتح أيضا الباب للاستثمارات اللبنانية الاقتصادية في السوق العُمانية، لسببين رئيسين: أولاً، عدد المستهلكين في السلطنة كبير، وثانياً، أهمية هذا السوق كمركز لوجستي وتصديري، خصوصاً للصناعات اللبنانية التي تستهدف أسواق الخليج.

وتنطلق قوة بيئة الاستثمار العُمانية، مما توفّره السلطنة من إجراءات سريعة، لتأسيس الشركات للمستثمرين، وإعفاءات جمركية، وتسهيلات ضريبية، وأسعار تفضيلية في المدن الصناعية.

ولذلك، حصدت زيارة رئيس الجمهورية إلى عُمان نتائج اقتصادية استراتيجية، ستنعكس إيجاباً على التصدير للمنتوجات اللبنانية في كل مجال.

لقد بدا واضحاً منذ اللحظة الأولى لوصول الوفد اللبناني إلى مسقط، أنّ جدول الأعمال أُعدّ بعناية ليشمل ملفات الطاقة، النقل، الاتصالات، والسياحة، إلى جانب ملف إعادة إعمار القطاعات الحيوية في لبنان. فالسلطنة التي راكمت خبرة واسعة في تنويع اقتصادها خلال العقدين الماضيين، تنظر إلى لبنان كمساحة يمكن البناء على إمكاناتها البشرية والخدماتية، فيما يسعى لبنان إلى جذب استثمارات عربية نوعية تعيد تحريك اقتصاده الراكد وتوفر له جرعة دعم يحتاجها بشدّة في هذه المرحلة.

ولذلك كان الاتفاق على إطلاق لجنة متابعة اقتصادية مشتركة تُعنى بتفعيل التعاون الثنائي وتذليل العقبات الإدارية التي لطالما شكّلت حاجزاً أمام الاستثمارات المتبادلة. كما جرى بحث إمكانية توقيع اتفاقيات جديدة في مجالات النقل البحري والجوي، بما يتيح زيادة الربط بين مرافئ البلدين وتعزيز حركة السياحة والأعمال..

وفي قطاع الطاقة، شكّل البحث في إمكان الشراكة بين المؤسسات اللبنانية والشركات العُمانية محوراً مهماً، خصوصاً في مجال الطاقة المتجددة. فقد أبدت مسقط اهتماماً بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمكن تنفيذها في لبنان، سواء في الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، مع بحث في توفير تمويل ميسّر من صناديق الاستثمار العُمانية. هذا الاهتمام يأتي في ظل حاجة لبنان الماسّة إلى حلول دائمة لأزمته الكهربائية المزمنة، وإلى شركاء قادرين على الاستثمار في البنية التحتية دون شروط سياسية أو مالية تعجيزية.

لا شك أنّ الزيارة حملت الكثير من الرسائل السياسية، غير أنّ ما أفرزته من تفاهمات اقتصادية قد يكون الأهم على المدى البعيد. فالتعاون بين لبنان وعُمان يبدو اليوم في مرحلة انتقالية، يتجاوز المجاملة الدبلوماسية إلى بناء شراكات حقيقية تعود بالنفع على البلدين.

وبينما يسعى لبنان إلى فتح نوافذ جديدة للخروج من أزمته، تجد سلطنة عُمان في تعزيز حضورها الاقتصادي في المشرق خطوة تنسجم مع رؤيتها الاستراتيجية القائمة على الانفتاح والتنوّع، وهكذا، يمكن القول إن زيارة الرئيس جوزاف عون لم تكن مجرد محطة بروتوكولية، بل بداية لمسار واعد قد يترجم في الأشهر المقبلة إلى مشاريع ملموسة تعيد رسم ملامح التعاون اللبناني - العُماني على أسس أكثر صلابة وفاعلية.