زيارة لودريان: إعادة الإعمار وحصرية السلاح

تحمل زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت دلالات سياسية وأمنية خارج الإطار الاستطلاعي الذي طبعت به زياراته السابقة، إذ تأتي في لحظة يشهد فيها لبنان تحولات مرتبطة بموافقة الحكومة على خطة الجيش لحصر السلاح واحتكاره بيد الدولة، بعدما حازت هذه الخطة تأييدا رسميا واسعا وأعطت المؤسسة العسكرية تفويضا مباشرا لتنفيذها، ووضعت لبنان على عتبة اختبار جديد يلامس جوهر معضلاته المزمنة، حيث يتقاطع الداخل المتأزم مع الضغوط الدولية المتزايدة.

وقال مصدر ديبلوماسي في بيروت لـ «الأنباء» ان «لودريان، الآتي من الرياض باتجاه بيروت، يحمل معه أجندة واضحة تعكس مقاربة فرنسية متقدمة تجاه الملف اللبناني. فباريس التي لطالما قدمت نفسها ضامنا وداعما رئيسيا للاستقرار اللبناني، تتحرك هذه المرة في اتجاه مزدوج: من جهة الإيفاء بتعهداتها تجاه الجيش عبر مؤتمرين مرتقبين في باريس، أحدهما مخصص لدعم المؤسسة العسكرية والآخر لإعادة إعمار لبنان، ومن جهة ثانية ربط هذا الدعم بشكل مباشر وحاسم بمدى التزام لبنان بخطة حصرية السلاح وتطبيقها على أرض الواقع. وهذا الربط يكشف أن المجتمع الدولي، وتحديدا فرنسا، لم يعد يقبل بمعادلة الفصل بين الإصلاح السياسي والأمني من جهة، والدعم المالي والاقتصادي من جهة أخرى».

وأوضح المصدر ان «الزيارة تأتي محملة برسائل متدرجة اللهجة، بعضها تحذيري وبعضها الآخر توجيهي أو حتى إرشادي. إذ يتوقع أن يعقد لودريان سلسلة لقاءات تشمل الرئاسات الثلاث والقيادات السياسية المؤثرة، مع احتمال التواصل غير المباشر أو المباشر مع «حزب الله» لإيصال رسالة مزدوجة: الأولى تتعلق بضرورة تقديم التسهيلات المطلوبة أمام خطة الجيش، والثانية تأكيد أن حصرية السلاح هي أولوية مطلقة تتقدم على أي ملف آخر، سواء تعلق الأمر بالإعمار أو الدعم الدولي. ومن الواضح أن فرنسا ستعتمد خطابا أكثر صراحة في هذه المرحلة، بعدما أدركت أن التباطؤ أو المراوغة في هذا الملف لم يعد خيارا مقبولا».

ولفت المصدر إلى «ان البعد العملي لهذه الزيارة يتجاوز مجرد التذكير بالالتزامات الدولية. فهو يرمي إلى وضع القوى اللبنانية أمام معادلة دقيقة: إما السير بجدية في تنفيذ خطة الجيش لحصر السلاح بما يفتح الطريق أمام استقرار أمني يتيح إطلاق مشاريع الدعم والإعمار، وإما مواجهة عزلة دولية تتجلى في تعليق المساعدات وتأجيل المؤتمرات الدولية إلى أجل غير مسمى. هذا الشرط يضع القوى اللبنانية، وخصوصا الأطراف المعنية مباشرة بالسلاح غير الشرعي، أمام اختبار مسؤولية وطنية وإقليمية في آن واحد».

ورأى المصدر «أن زيارة لودريان تمثل نقطة تقاطع بين رغبة لبنانية معلنة بالانتقال من مرحلة احتواء السلاح إلى مرحلة جمعه، وبين إصرار دولي على تحويل هذه الرغبة إلى التزام عملي وملموس. وهنا يبرز دور الجيش اللبناني الذي ينظر إليه كضامن وحيد لتنفيذ هذه المهمة الدقيقة، شرط أن يحصل على الدعم اللازم من أصدقائه الدوليين ليكون على أهبة الاستعداد لمواجهة التحديات المقبلة. فالمؤسسة العسكرية، بقدراتها المحدودة حاليا، لا تستطيع بمفردها الانتقال إلى مرحلة التنفيذ الشامل ما لم يترجم الدعم الدولي إلى تمويل وتسليح وتدريب».