سؤال "حسّاس" طرحته أورتاغوس على السيد

لم يكن لقاء وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيّد بمستشارة بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، مورغان أورتاغوس، مجرّد محطة بروتوكولية. فالزيارة، التي جرت بهدوء بعيدًا عن الأضواء، سرعان ما أثارت تساؤلات حول خلفياتها ورسائلها: لماذا وزارة الشؤون تحديدًا؟ وماذا أرادت أورتاغوس أن تعرف من الداخل اللبناني؟

منذ سنوات، كانت هذه الوزارة تُدار بمنطق الغنيمة. كل حزب يتعامل معها كأنها حصّته الشرعية: يأخذ الأموال، يوزّعها باسمه، ويصوغ لنفسه صورة "الراعي الاجتماعي" في مناطقه. هكذا غابت عنها وظيفتها الأساسية كمؤسسة دولة، وتحولت إلى واجهة للزبائنية السياسية. 

 

الرسائل الأميركية

في الكواليس، كانت أورتاغوس أكثر مباشرة. أحد الأسئلة "الحسّاسة" التي طرحتها على السيّد كان واضحًا: "ما هي تقديراتكم لما يصرفه حزب الله على جمهوره بما يتعلق بالمساعدات والخدمات؟".

أجابت السيّد "هناك أرقام متداولة، لكننا كدولة لا نملك تقديرات دقيقة". سؤال كهذا لا يمكن قراءته إلا في سياق رغبة واشنطن في فهم حجم شبكة الحزب الاجتماعية، وفي اختبار مدى قدرة الدولة على أن تكون البديل الممكن في هذا الميدان.

إختيار وزارة الشؤون لم يكن عشوائيًا، اليوم هي الجهة الرسمية الوحيدة القادرة على التحرك في الجنوب تحت عنوان "الدعم الإنساني"، وهي التي تتولى دفع مبالغ رمزية للمتضررين من الحرب. الأميركيون يعرفون أن طريق النفوذ في الجنوب لا يمرّ بالسياسة وحدها، بل بالناس، بالبيوت المهدّمة والأسر التي تنتظر المساعدة. من هنا، يبدو الاهتمام بالوزارة جزءًا من مقاربة أميركية أوسع لإعادة الاعتبار للدولة كمصدر للمساعدة، في مواجهة الأحزاب التي بنت نفوذها على "الخدمة" لا على "السلطة".

 

اللقاء العلني

خلافًا لما تردّد في بعض وسائل الإعلام، لم يتناول لقاء وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيّد بمورغان أورتاغوس، أي نقاش حول استعداد الوزارة لمساعدة النازحين في حال اندلاع حرب جديدة. هذا الموضوع، لم يُطرح أصلًا، وكل التسريبات التي تحدّثت عن "خطط طوارئ" غير صحيحة.
اللقاء كان عاديًا في مجمله، باستثناء السؤال المباشر الذي طرحته أورتاغوس على السيّد حول حزب الله، وهو السؤال الوحيد الذي خرج عن الإطار العام للبيان الرسمي.

أما في العلن، فصدر عن الوزارة بيان هادئ ومتوازن، أشار إلى أن اللقاء تناول "الوضعين الأمني والاجتماعي في الجنوب، ودور الوزارة في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية وتعزيز حضور الدولة في المناطق المتضرّرة". وأكدت السيّد أن "تعزيز الحضور الرسمي يتطلب تثبيت الاستقرار عبر تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية"، داعيةً إلى "اهتمام دولي مضاعف لمساندة المؤسسات اللبنانية".

كما عرضت خلال اللقاء "استراتيجية الوزارة الجديدة وخطتها التنفيذية المستقبلية"، مشددة على أن "التنمية الاجتماعية ركيزة للاستقرار الوطني".

وتسعى السيّد من خلال ذلك إلى إعادة تعريف دور وزارتها، بعدما نفذت سلسلة إصلاحات إدارية ونظمت آليات الصرف والمشاريع الاجتماعية، لكنها لا تزال في حاجة إلى دعم أكبر من المجتمع الدولي لتوسيع قدرتها على الاستجابة للحاجات الإنسانية في المناطق المتضرّرة.

 

ترحيب بالسيّد في الجنوب

قبل أيام، قامت السيّد بزيارة ميدانية إلى الجنوب شملت صور وبنت جبيل وجبال البطم، حيث التقت عدداً من رؤساء البلديات والفعاليات المحلية واطّلعت عن قرب على الأوضاع الاجتماعية في المناطق المتضرّرة من الحرب الإسرائيلية.

الزيارة لم تكن شكلية. فالترحيب الذي لقيته الوزيرة، خصوصاً بعد موقفها الواضح من قضية السلاح وتصريحها بأنها ستصوّت مع بند سحبه، حمل دلالة سياسية وشعبية في آنٍ واحد. 

وخلال جولتها، أكدت أن الوزارة تعمل حالياً على إعداد خطة شاملة لإعادة الإعمار والتعافي، تتضمن مشاريع تنموية في المناطق المتضرّرة، مشيرةً إلى المشروع المموّل من البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار، الذي دخل مراحله التحضيرية الأخيرة، إضافةً إلى مشروع زراعي بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار يهدف إلى دعم الإنتاج المحلي وتحسين الأمن الغذائي.

وشدّدت الوزيرة على أن الوزارة معنيّة بترميم المراكز الاجتماعية في الجنوب وإعادة تشغيلها تدريجياً، لافتةً إلى أن برامج المساعدات الطارئة التي أُطلقت أخيراً تشمل نحو 260 ألف شخص يتلقّون تحويلات نقدية شهرية لمدة ستة أشهر، إلى جانب دعم خاص للعائلات النازحة غير القادرة على تحمّل كلفة الإيجار.

بهذه الزيارة، بدت وزارة الشؤون كأنها تختبر قدرتها على إعادة بناء الثقة مع الناس، لا عبر الخطابات، بل من خلال الحضور الميداني والمشاريع الفعلية. وهي محاولة مهما كانت محدودة  لإعادة وصل ما انقطع بين الدولة وجنوبها.

 

ما وراء الصورة

في الجوهر، أرادت واشنطن أن توصل رسالة مزدوجة: أولًا، أن المساعدات يجب أن تمر عبر مؤسسات الدولة لا عبر قنوات الأحزاب. وثانيًا، أن وزارة الشؤون يمكن أن تكون أداة "حضور رسمي" في الجنوب، في مواجهة منطق "الرعاية الموازية".

لكن هذا الطموح يبقى مشروطًا بقدرة الوزارة نفسها على الصمود في بيئة مأزومة، وعلى تحويل الدعم الخارجي إلى فعل مستدام، لا مجرد زيارة أو وعد.

بين الرسائل الديبلوماسية والأسئلة التي لم تُعلن، تبقى زيارة مورغان أورتاغوس لوزارة الشؤون الاجتماعية أكثر من لقاء رسمي. إنها تذكير بأن الصراع في لبنان لم يعد فقط صراعاً على الأرض أو في السياسة، بل أيضًا على من يحق له أن يقول: "أنا من يهتم بالناس".