سلطة الفضائح: دولة "تهريب" ديبلوماسي وكهربائي وإرهابي

كتب منير الربيع في المدن:

لا سمة تتقدّم على سمة "التهريب" في لبنان. والتهريب لم يعد يقتصر على المخدرات أو غيرها من السلع والممنوعات، إنما أصبح نهج دولة أو سلطة تسعى إلى تهريب المواقف بلا أي وازع أو حس بالمسؤولية. وفي الوقت الذي يدّعي فيه المسؤولون مكافحة التهريب على أكثر من صعيد، إلا أنهم يمارسونه في مواقفهم السياسية والديبلوماسية، ما ينعكس فضيحة تلو الأخرى في الاستحقاقات والمحافل الدولية والديبلوماسية. خطّة الكهرباء عرضة للتهريب، الموقف من الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا أيضاً تم تهريبه، وكذلك بالنسبة إلى سحب الرسالة التي أرسلت إلى الأمم المتحدة، وتنص على مطالبة لبنان بالخطّ 29 كحق من حقوقه في عملية ترسيم الحدود، تهريب يرقى بالسياسة اللبنانية إلى حدود التهريج.

القفز إلى الخط 23
عايش لبنان في الأيام القليلة الماضية سلسلة من الفضائح الديبلوماسية. بدأت مع إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة تتضمن تثبيتاً لبنانياً للانطلاق بالترسيم من الخطّ 29 كحق من حقوق لبنان البحرية، أي توسيع المساحة التي يطالب بها لبنان من 860 كلم مربعاً إلى 2290 كلم مربعاً. ما هي إلا ساعات على إرسال الرسالة حتى صدر موقف عن رئيس الجمهورية يتنازل فيه عن مضمونها، ويعلن إلتزام لبنان بالخطّ 23، معلناً أن الخطّ 29 "كان خطاً تفاوضياً". انعكس موقف رئيس الجمهورية خلافاً في الداخل اللبناني. وقد تصدى لطرح رئيس الجمهورية رئيس الوفد العسكري المفاوض في ترسيم الحدود العميد بسام ياسين. أيام قليلة حتى تم سحب الرسالة من موقع الأمم المتحدة، ما شكل فضيحة جديدة، استدعت تدخلاً من ياسين مع المنظمة الأممية للمطالبة بإعادة نشر الرسالة، لأن حذفها يعني إساءة الأمم المتحدة إلى ذاتها.

أسرار الدولة!
فضيحة أخرى تتعلق بالتعاطي مع إصدار بيان يدين الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا. فما إن صدر البيان حتى وقع الانقسام اللبناني مجدداً، بين طرف يرفض إصداره وتبنيه، وطرف آخر يتمسك به، ما أدى إلى حصول خلافات بين القوى السياسية. في البداية تم تحميل رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي مسؤولية إصدار البيان. لكن عون سارع إلى التنصل، محملاً المسؤولية إلى ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب ومدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير. بينما سارع رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل للاتصال بالسفير الروسي في بيروت، معلناً عن تنصله من هذا البيان وأنه لا يمثل موقفه ولا موقف رئيس الجمهورية. علماً أن وزير الخارجية محسوب عليهما. أخذ وزير الخارجية الأمر بصدره وقال إنه مستعد لتحمل المسؤولية. أما خلال جلسة مجلس الوزراء والتي اعترض فيها وزراء حزب الله على البيان ووجهوا الأسئلة لرئيس الجمهورية، فلم يحصلوا على جواب منه، بينما تولى الردّ وزير الخارجية، الذي اعتبر أنه لم يتم إطلاع أحد على البيان لأنه سر من أسرار الدولة. فيما ردّت السفارة الروسية في بيروت بعنف على البيان اللبناني، وهي تنظم نشاطاً ثقافياً اليوم الأحد لشرح موقف روسيا من الدخول إلى أوكرانيا.

كهرباء وإرهاب
انسحب التهريب إلى خطّة الكهرباء، فلم يأخذ الوزراء جواباً شافياً إذا كانت الخطة قد أقرت أم لا، لأن الصيغة التي خرج بها اجتماع مجلس الوزراء كانت ملتبسة، وتضمنت أنه تمت الموافقة المبدئية على خطة الكهرباء من دون إقرارها رسمياً، بسبب اعتراض الوزراء الذين طالبوا بتعديلات وتوضيحات من قبل وزير الطاقة. تهريبة حصلت لخطة الكهرباء، فيعتبر رئيس الحكومة ووزير الطاقة أنها أقرت، فيما الوزراء الآخرون يعتبرون أنها لم تقر ولا تزال بحاجة إلى المزيد من الدرس والشروط، أبرزها الالتزام بتعيين الهيئة الناظمة للقطاع، وهي مشكلة عمرها أكثر من عشر سنوات في هذه الوزارة، التي يرفض كل الوزراء المتعاقبين عليها تعيين هيئة ناظمة فيها.

تهريب أيضاً يتجلى في المسارعة إلى الإعلان عن إحباط مخطط إرهابي لتنظيم داعش، كان ينوي تنفيذ 3 تفجيرات في وقت واحد بمناطق مختلفة من الضاحية الجنوبية لبيروت. أعلن "الإنجاز" قبل إنجاز التحقيقات، ليتم بعد أقل من 48 ساعة على المؤتمر الصحافي إطلاق سراح 2 من الأشخاص الأربعة الذين تم توقيفهم، وهم من القصّر والذين لا علاقة لهم بالأمر، فيما كانت قد نشرت صورهم وأسماؤهم بأنهم من المخططين والمنفذين المفترضين للعملية.

وعلى هذا المنوال، يدار البلد.