سيمون كرم ورقة عون المستورة: خبيرٌ بالأميركيين وسلوك إسرائيل

تعود فكرة ضم ممثل مدني إلى أي إطار تفاوضي مع إسرائيل إلى تصريحات مورغان أورتاغوس منذ أشهر، شددت فيها على ضرورة التفاوض الديبلوماسي أو السياسي مع إسرائيل لتثبيت فرص الهدنة أو الاستقرار والتهدئة بين البلدين.

دعوة قابلها لبنان لاسيما رئيس الجمهورية بالقول: التفاوض إنما ليس أي تفاوض، تفاوض تم التوافق لبنانياً على أن يكون عبر إدخال مدنيين إلى الميكانيزم لضمان إدارة التفاوض بشكل رسمي ومدني بعيدًا عن التصعيد العسكري المباشر. هذه الفكرة إستمرت تتفاعل على مدى الأشهر الماضية، وتم تداول أسماء عديدة ضمن الطرح اللبناني: وزراء سابقون، سفراء مخضرمون، وأسماء أكاديمية بارزة، بينها الدكتور بول سالم، الذي يُعرف بخلفيته الأكاديمية، لكنه ليس دبلوماسياً سابقاً ولم يترأس بعثات أو يعرف خبايا الإدارة الأميركية. أسماء كثيرة لكن يبدو أن خيار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون كان واضحاً ومحسوماً منذ البداية، من دون أن يفصح عنه. 

 

الرئيس جوزاف عون والمشاورات الداخلية

خلال هذه الفترة، بقي الجانب الإسرائيلي صامتًا على الطرح اللبناني لفترة طويلة، حتى جاء الجواب قبل يومين فقط مفاده أن أوري ريسنك، المسؤول عن السياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، سيترأس الوفد الإسرائيلي في إجتماع الأربعاء المقبل. هذا التأكيد كان بمثابة نقطة التحول التي دفعت الرئيس جوزاف عون للتحرك بسرعة لتعيين شخصية لبنانية مناسبة، تتمتع بالخبرة والوزن السياسي والدبلوماسي للتعامل مع هذا الملف الدقيق. مع العلم أنه كان يستعد لهذه الخطوة منذ مدة.

 

مع تلقي إشعار الموافقة الأميركية والإسرائيلية، بدأ الرئيس عون سلسلة إتصالات عاجلة مع الرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، من أجل التوصل إلى موقف رسمي موحّد حول شخصية تمثل لبنان في الميكانيزم. هذه المشاورات إنطلقت من المسؤولية الدستورية للرئيس عون، وحرصه على أن يكون الممثل اللبناني شخصاً يجمع بين الخبرة الدبلوماسية، القدرة على التفاوض، والمصداقية الوطنية.

 

لماذا سيمون كرم؟

بعد دراسة دقيقة، وقع الاختيار على السفير سيمون كرم، وإستند القرار إلى عدة إعتبارات أساسية، بحسب ما كشفت مصادر مطلعة لـ"المدن" كاشفة المعايير التالية التي كانت أساساً في خيار الرئيس عون:

•       خبرة دبلوماسية مخضرمّة: كرم شغل منصب سفير لبنان في واشنطن في عهد الرئيس الراحل الياس الهرواي، وشارك في وفد لبنان إلى مؤتمر مدريد للسلام 1991، ما يجعله قادراً على إدارة المفاوضات بأسلوب دبلوماسي رصين ومتوازن. كما أنه كمحام، يمكنه أن يلعب دوراً في تقدير الكثير من الأمور إلى تحتاج إلى دراسة وتأن قبل إتخاذ أي موقف، لاسيما من الناحية القانونية التي تحفظ حقوق لبنان.

•       العلاقات الدولية الواسعة: يعرف الامريكيين جيداً وكيف تفكر الإدارة الأميركية وتقارب الملفات، كما يعرف كواليسها التي تمتد إلى كبار المسؤولين وصقور السياسة الأميركية، والذين يعرفون بالمؤثرين في صنع القرار. هذه العلاقات التي حافظ عليه ورسخها تمنح لبنان قدرة على تحريك الملف الدولي الداعم لموقفه.

•       المعرفة بالعقلية الإسرائيلية: كرم يعرف المواقف السياسية والأمنية لتل أبيب، ويجيد قراءة الاستراتيجيات الإسرائيلية على المستوى الرسمي، وغير الرسمي.

المكانة والمصداقية: كرم من جزين الجنوبية، وعائلته عريقة، وهو إبن شقيقة النائب الراحل جان عزيز، ما يعزز مكانته الوطنية والسياسية في الداخل اللبناني. زار بعبدا أكثر من مرة، وعندما نقل إسمه إلى الجانب الاميركي، كان مرحباً جداً لمعرفته الجيدة به. 

تتابع المصادر أن رئيس الجمهورية طرح إسم كرم على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام خلال مشاورات داخلية بقيت بعيدة من الإعلام، ولم يعترض أي منهما، وكان الخيار واضحاً منذ البداية، رغم تداول عدة أسماء أخرى في الفترة السابقة، بينهم وزراء سابقون وسفراء، رفضت المصادر أن تكشف هوياتها، مؤكدة في الوقت ذاته أنه لم يطرح يوماً أي إسم أكاديمي كما كان سرب في وقت من الأوقات اسم الدكتور بول سالم على الرغم من أهمية هذه الشخصية وأهمية مسيرته ومكانته. "لأن المطلوب أن يجلس على طاولة الميكانيزم ويفاوض من أجل لبنان رجل ديبلوماسي يدرك تفاصيل هذه اللعبة ومطباتها ويتمتع بمعرفة واسعة بالعقل الاسرائيلي والوسيط والراعي الاميركي." 

 

إذاً، بعدما أتى الجواب الاسرائيلي الإيجابي عبر الأميركي "واستوت الطبخة وخرج الاسم الى العلن، أصبح السفير سيمون كرم مكلفاً رسمياً بترؤس الوفد اللبناني إلى الميكانيزم."

 

تكليف كرم ومهامه الأساسية

شارك كرم في الاجتماع الأول له في الميكانيزم اليوم الاربعاء. وذهب وفي جعبته المهام الاولويات الوطنية التالية:

نقل وجهة النظر اللبنانية الرسمية التي تبدأ من : 

العمل على وقف الأعمال العدائية كلياً.

إعادة الأسرى والانسحاب الإسرائيلي ولو على مراحل.

البحث في ترتيبات أمنية مرحلية تؤسس لاستقرار دائم في الجنوب اللبناني.

 

التحديات والرهانات

رغم الطابع المدني والدبلوماسي للوفد اللبناني، تظل التساؤلات قائمة حول مدى التزام إسرائيل بالاستجابة للمطالب اللبنانية، خصوصاً في ظل تهديدات مستمرة وتصعيد محتمل. مع ذلك، يشير المعنيون لـ"المدن" إلى أن اختيار كرم يضمن أن المقاربة اللبنانية ستكون متوازنة ودبلوماسية، مدعومة بالخبرة الدولية، وبمصداقية قوية على المستوى الوطني، وتتيح للبنان القدرة على المناورة في الفضاء الدولي، وخاصة أمام الإدارة الأميركية، لضمان أن أي خطوة تفاوضية تتوافق مع مصالحه الاستراتيجية.