سيناريوهات عن "لبننة غزة" أو "غزْوَنة" لبنان

يترسّخ غداً الإثنين، مع القمةِ التاريخيةِ في شرم الشيخ أن لبنان يَقبع «على مَقاعد انتظارِ» ما ستؤول إليه التحولاتُ العاتيةُ في المنطقةِ والتي شَكَّلَتْ نتائجُ الحربِ الضاريةِ بين إسرائيل و«حزب الله» خريف 2024 فاتحةَ «رياح التغيير» الإقليمي التي حَمَلَتْ أولى مَفاعيلُها «اقتلاعَ» نظام الأسدين في سوريا وما عناه ذلك من ضمورِ المحور الإيراني وصولاً إلى خِسارة طهران عبر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول غزة ورقةً فلسطينية ثمينة انتقلتْ إلى إطارٍ عربي - إقليمي - دولي يحاول الدفعَ نحو السلام في الشرق الأوسط.

وإلى غيابِ «بلاد الأرز» عن القمة، وهي الدولة التي تَخشى وجود «مَن يفكّر بتعويض غزة في لبنان لضمان حاجته لاستدامة الاسترزاق السياسي بالنار والقتل»، وتسأل غامزةً من قناة حزب الله «ما دام تمّ توريط لبنان بحرب غزة أليس من أبسط المنطق والحق الآن إسناده بنموذج هدنتها بعدما أجمع الأطراف كافة على تأييدها؟»، كما قال الرئيس جوزف عون، فإنّ عدم حضور بيروت في الكواليس المواكِبة للحدَث التأسيسي في شرم الشيخ عبر اتصالاتٍ مع العواصم المُشارِكة يعكس بحسب مصادر مطلعة أن الوطنَ الصغير لم يَعُدْ على «رادار» الأولويات في المنطقة باعتبار أنه ليس جزءاً من الحلّ ما دام ركناً رئيسياً من مشكلةٍ يمثّلها سلاحُ الحزب و«القفل والمفتاح» فيها بإيران.
وعلى وقع مناخاتٍ تَستحضر لـ «اليوم التالي» في غزة سيناريوهاتٍ على طريقة «لبْننة القطاع» في حال لم تلتزم «حماس» بتسليم سلاحها، أي إعلاء «حرية حركة» إسرائيل واستهدافاتها، لم تَخْفت الخشية في بيروت من «غزْونة لبنان» ما أن يشقّ قطار انتهاء حرب غزة طريقه، في ضوء فقدان ملف تفكيك ترسانة حزب الله العسكرية بعضاً من دفْعه بفعل الممانعة المتدحرجة من الحزب ومحاذرة المسؤولين اللبنانيين الذهاب في المواجهة إلى حدّ هزّ الاستقرار الداخلي، في مقابل:

- إصرار الخارج وعلى رأسه واشنطن على قيام «دولة طبيعية» بجيشٍ واحد يَحتكر السلاح ويبسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية.

- وتوجيه تل أبيب رسالة لا تحتمل التأويل عبر «محرقة الجرافات والحفارات» في المصيلح (فجر السبت) بأنّ لا «وحدة مسار» في أي سِلم بين غزة ولبنان، وأن «القدم لن تنزل عن دواسة البنزين» بل هي مرشّحة لتسريع احتمالات استئناف الحرب لتكون هذه المَرة... الأخيرة.

وحاول لبنان الرسمي اليوم الأحد، تَدارُك مفاعيل غاراتِ المصيلح التي دمّرت أرضية أي عمليةِ إعمارٍ قريبة، مُطْلِقاً إشارة جديدة إلى أنه يتهيّب بشدّة مرحلة ما بعد غزة واحتمال استدارة «الفوهات» الإسرائيلية في اتجاهه، وذلك عبر إيعاز رئيس الحكومة نواف سلام لوزير الخارجية يوسف رجي تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن «في شأن العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استهدف منشآت مدنية وتجارية في المصيلح، بما يشكّل انتهاكاً فاضحاً للقرار 1701 ولترتيبات وقف الأعمال العدائية الصادرة في نوفمبر الماضي».

وقد أعطى رجي توجيهاته إلى مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتّحدة في نيويورك، بتوجيه شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن والأمين العام الأمم المتحدة «في شأن شنّ الطائرات الحربية الإسرائيلية غاراتٍ على مجموعةٍ من المعارض الخاصة بالجرافات والحفارات على طريق المصيلح- الزهراني في قضاء صيدا، والتي أدت إلى مقتل وجرح عدد من المدنيين، وإلحاق أضرارٍ جسيمة بالمؤسسات التجارية المستهدفة».

وطلب رجي من بعثة لبنان الدائمة في نيويورك نشر رسالة الشكوى وتوزيعها كوثيقةٍ رسمية على كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن.

وعلى خطورة «اللحظة» اللبنانية والإقليمية، مضى «حزب الله» في رفْع منسوب ضغطه على حكومة سلام على جبهتيْن:

- الأولى إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها ولكن على قاعدة منْع «إسناد» خصومه بكتلة أصوات اللبنانيين غير المقيمين وذلك عبر الإصرار على حصْر اقتراعهم بـ 6 مقاعد تضاف الى النواب الـ 128 وتُخصص للقارات ورفض إدراج اقتراح قانون معجّل مكرّر قدّمته كتل الأكثرية البرلمانية على جلسة تشريعية، ما يُنْذِر بإمكانِ الإطاحة بأي شكلٍ من الاقتراع في الخارج، وتالياً ترْك «منْفَذ» وحيد للمنتشرين وهو المجيء الى لبنان للتصويت كل في دائرته.

- والثانية إقرار موازنة 2026 متضمنة اعتماداتٍ لإعادة الإعمار وإلا «فالموازنة لن تمرّ في مجلس النواب» كما سبق أن توعّد الرئيس نبيه بري ولاقاه على الموجة نفسها أمس نائب «حزب الله» حسن فضل الله.

وليس خافياً، بحسب أوساط سياسية على خصومة مع «حزب الله» أن خلفيات هاتين المعركتين المتوازيتين تلتقي عند هدفين مرتبطين بالانتخابات:

أوّلهما «هجومي» وهو أن مجرد حصول الاستحقاق سيعني «التخلص» من حكومة سلام التي تتحوّل حُكماً لتصريف الأعمال ويتم تكليف رئيس وزراء لتشكيل حكومة جديدة، وهو ما يعتقد «حزب الله» أنه سيتيح له القيام بـ reset لملف سحب سلاحه، وأقله تعطيل إعادة تكوين السلطة التنفيذية بعد الانتخابات ورْهن «الإفراج عنها» بشروط تتناول سلاحه أو ضمانات موازية أقرب لمقايضات، رغم اعتبار الأوساط أن مثل هذا التفكير ينمّ عن إنكارٍ للمتغيّرات العميقة في المنطقة ناهيك عن أن المرحلة الفاصلة عن مايو الانتخابي مشرّعة على احتمالاتٍ تحت سقف عدم السماح بالعودة إلى الوراء على صعيد نفوذ إيران ووضعية الحزب العسكرية وأن الوقت لإنجاز هذه المهمة ليس مفتوحاً.

والهدف الثاني «دفاعي» وهو أن يمنع حزب الله أي اختراق من خصومه للمقاعد الشيعية الـ 27 (يتقاسمها مع بري)، وأن يَضمن الإمساك بما مجموعه 43 مقعداً في البرلمان توفّر له الثلث المعطّل الذي يتيح له التحكّم ولو على طريقة التوازن السلبي باستحقاقاتٍ رئيسية مقبلة، إلى جانب «تصفيح» ديمومة شريكه في الثنائية الشيعية (بري) على رأس البرلمان لولاية تمدّد تَرَبُّعَه عليها منذ 1992.