المصدر: نداء الوطن
الثلاثاء 14 تشرين الأول 2025 07:15:44
بعدما دشنت القاهرة مسار السلام في الشرق الأوسط عام 1978 من خلال اتفاقية "كامب ديفيد" مع إسرائيل، عملت التيارات القومية والإسلامية المختلفة على عرقلة استكمال هذا المسار، مفضلة استغلال "القضية الفلسطينية" والصراع مع إسرائيل كمبرّر للتسلّح وقمع المعارضين الداخليين وفرض أجنداتها الإقصائية والرجعية في بلادها والجوار. ولم تشهد المنطقة لحظة سيّئة ومشؤومة كيوم نجاح "الثورة الإسلامية" في 11 شباط 1979، ما أدخل نظام الملالي المعادلة الشرق أوسطية بتصديره "ثورته المخرّبة" للأوطان من بوابة "القضية الفلسطينية"، ودفع بذلك المنطقة إلى آتون نزاعات مذهبية أغرقتها بمستنقعات الدماء والفساد. إلّا أن ميزان القوى الجديد الذي أفرزته ذيول "طوفان الأقصى" فرض تراجع خيار "الحرب الأبدية" مع إسرائيل في المنطقة وعودة زخم السلام العادل، الذي لا يمكن بناء أوطان مستقرّة ومزدهرة من دونه.
إنطلاقًا من ذلك، شهدت أعمال "قمة شرم الشيخ للسلام" برئاسة أميركا ومصر، حدثًا تاريخيًا أمس، حيث وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيريه المصري عبدالفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد، على وثيقة شاملة في شأن اتفاق إنهاء حرب غزة، بحضور قادة ومسؤولين من أكثر من 31 دولة ومنظمة دولية، إلّا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يحضر القمة، مبرّرًا ذلك بعطلة عيد العُرش، فيما زعم مسؤولون أتراك لاحقًا أن أردوغان هدّد بمقاطعة الفعالية في حال حضور نتنياهو.
وبعد توقيع الوثيقة، أكد ترامب، الذي منحه السيسي "قلادة النيل"، أن "الوثيقة التي وقعناها للتو تاريخية"، موضحًا أنه "حققنا معًا ما قال الجميع إنه مستحيل وهو السلام في الشرق الأوسط". وحسم أن "حرب غزة انتهت والمساعدات بدأت في التدفق"، لافتًا إلى أن "مرحلة إعادة بناء غزة قد تكون الأصعب"، لكنه جزم بأن "إعادة إعمار غزة تتطلّب أن تكون منزوعة السلاح". وأعرب عن شكره لقادة مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن وتركيا وباقي الدول العربية والإسلامية "التي مكّنتنا من تحقيق هذه الانفراجة"، مؤكدًا أنه "اتفقنا على ضرورة دعم غزة ولا نريد أن نموّل أي شيء يتعلّق بالتحريض على الكراهية وإراقة الدماء". ورأى أن "الجميع" سيرغب في الانضمام إلى "اتفاقات أبراهام".
توازيًا، لفت السيسي إلى أن مصر كانت أوّل من أطلق مسار السلام في الشرق الأوسط عندما قام الرئيس الراحل أنور السادات بزيارة تاريخية إلى القدس عام 1977، معتبرًا أن تلك الخطوة دشنت عهدًا جديدًا أتاح للأجيال اللاحقة فرصة للحياة. ورأى أنه "نشهد لحظة تاريخية فارقة ونأمل في أن ينهي هذا الاتفاق صفحة مؤلمة في تاريخ البشرية"، جازمًا بأن "أمن الشعوب لا يتحقق بالقوة العسكرية فقط والسلام خيارنا الاستراتيجي". وأكد أنه "من حق الشعب الفلسطيني تقرير مصيره وأن ينعم بالحرّية"، داعيًا الشعب الإسرائيلي إلى "مد يده لتحقيق السلام". وكشف أنه "سنعمل خلال أيام على وضع الأسس المشتركة لإعادة إعمار قطاع غزة"، مشدّدًا على أنه "يجب تنفيذ اتفاق غزة للوصول إلى حل الدولتين وتكامل شعوب المنطقة". واعتبر رئيس وزراء باكستان شهباز شريف أن "اليوم (أمس) هو أعظم يوم في التاريخ الحديث، لأن السلام تحقق بعد جهود مضنية قادها الرئيس ترامب"، مجدّدًا ترشيحه ترامب لنيل جائزة "نوبل للسلام".
وقبل توقيع الوثيقة، عقد ترامب والسيسي جلسة حوارية، أكد خلالها ترامب أن "المرحلة الثانية" من خطته في شأن غزة "قد بدأت بالفعل"، موضحًا أن "المراحل كلّها متداخلة قليلًا مع بعضها البعض". وأكد أن الوثيقة "شاملة للغاية وتوضح القواعد واللوائح". أمّا بعد توقيع الوثيقة والكلمات التي ألقاها ترامب والسيسي وشريف، فعقد المشاركون في القمة جلسة محادثات مغلقة مع ترامب قبل أن يغادر الأخير مصر عائدًا إلى واشنطن.
وأفادت الرئاسة المصرية بأن القمة تناولت أهمية التعاون بين أطراف المجتمع الدولي لتوفير كلّ السبل من أجل متابعة تنفيذ بنود الاتفاق والحفاظ على استمراريته، بما في ذلك وقف حرب غزة بصورة شاملة، والانتهاء من عملية تبادل الرهائن والأسرى، والانسحاب الإسرائيلي، ودخول المساعدات الإنسانية والإغاثية لقطاع غزة، موضحة أن "القمة شهدت في هذا السياق مراسم توقيع قادة الدول الوسيطة على وثيقة لدعم الاتفاق". وذكرت أنه جرى التشديد على ضرورة البدء في التشاور حول سبل وآليات تنفيذ المراحل المقبلة لخطة ترامب للتسوية، بدءًا من المسائل المتعلّقة بالحوكمة وتوفير الأمن، وإعادة إعمار قطاع غزة، وانتهاء بالمسار السياسي للتسوية.
وشارك في القمة قادة دول وممثلون عن كلّ من فلسطين، الأردن، السعودية، قطر، الإمارات، سلطنة عُمان، الكويت، البحرين، العراق، تركيا، إندونيسيا، باكستان، أذربيجان، فرنسا، قبرص، ألمانيا، المملكة المتحدة، إيطاليا، إسبانيا، اليونان، المجر، النرويج، هولندا، أرمينيا، كندا، اليابان، بارغواي، والهند، إلى جانب أميركا ومصر، بالإضافة إلى كلّ من سكرتير عام الأمم المتحدة، والأمين العام لجامعة الدول العربية، ورئيس المجلس الأوروبي، ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، ورئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق توني بلير.
في الغضون، تسعى "حماس" التي تلقت ضربات قاصمة خلال الحرب، إلى إعادة تأكيد سطوتها على قطاع غزة منذ دخول وقف النار حيّز التنفيذ، إذ قتلت العشرات في حملة أمنية وحشية على جماعات شكّلت تحدّيًا لسلطتها. وأعادت الحركة نشر مقاتليها تدريجيًا في شوارع غزة منذ بدء سريان وقف النار. ونشرت أمس أفرادًا من "كتائب القسام" لدى تحرير الرهائن، في استعراض للقوّة أمام الغزيين. ويأتي ذلك بعدما دارت اشتباكات ضارية بين "حماس" وأفراد من عائلة دغمش في مدينة غزة الأحد.
وأعدمت "حماس" عددًا مِن مَن وصفتهم بـ "العملاء والخارجين عن القانون" في مدينة غزة، في وقت نشر فيه الجيش الإسرائيلي مقطعًا مصوّرًا يُظهر مسلّحين يعدمون رجالًا في ساحة أمام جماهير، متهمًا "حماس" بتنفيذ تلك الإعدامات. وكان ترامب قد ردّ على سؤال من صحافي ليل الأحد - الإثنين في شأن تقارير عن أن "حماس" تستهدف خصومًا لها وتعتبر نفسها قوة شرطية، قائلًا إنه "يريدون حقًا وقف المشكلات، وهم منفتحون في هذا الصدد، وأعطيناهم موافقة لفترة من الوقت".
وبينما تنصّ "خطة ترامب" على نزع سلاح "حماس" والفصائل الأخرى وتسليم الحكم في غزة إلى لجنة تكنوقراط فلسطينية غير مرتبطة بـ "حماس" وتعمل تحت إشراف "مجلس السلام" برئاسة ترامب، استبعدت الحركة إجراء محادثات عن ترسانة أسلحتها، مدعية أنها ستكون مستعدّة لتسليم الأسلحة لدولة فلسطينية في المستقبل. وذكرت أنها لا تسعى إلى تولّي دور في الهيئة التي ستحكم غزة مستقبلًا، لكنها شدّدت على أن ذلك يجب أن يُتفق عليه بين الفلسطينيين من دون سيطرة أجنبية.