المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
السبت 6 أيلول 2025 14:09:11
بدَّدَ قرار حزب الله دفع تعويضات مالية لمتضرّري الحرب، مخاوف هؤلاء من أن تكون فداحة الخسائر وقوّة التدمير عائقاً أمام قدرة الحزب المالية على الدفع. ومع أنّ الحديث عن إعادة الإعمار لا يزال بعيداً نظراً لارتباطه بالهدوء الإقليمي وبقرارات لبنانية تتعلّق بسلاح الحزب، فإنّ الحزب باشر قبل وقف إطلاق النار، دفع تعويضات مالية تتعلّق بإصلاح منازل ومحال تجارية، إلى جانب تغطية كلفة الأثاث والإيجارات لمنازل النازحين. لكن قرار الحزب وقف دفع التعويضات من خلال إعلان مؤسسة القرض الحسن وقف صرف "الشيكات"، أعاد إلى الأذهان المخاوف التي كانت مضمرة. أمّا المعضلة الأكبر، فهي بروز عمليات عرض شيكات للبيع، لم تُصرَف بعد، الأمر الذي وَسَّعَ دائرة الشكوك حول عدم قدرة المتضرّرين على تحصيل أموالهم، على الأقل في المستقبل القريب.
شيكات للبيع
مع نهاية حزيران الماضي، كان الحزب قد قَطَعَ مرحلة التعليق المتقطّع لصرف شيكات التعويضات. إذ أصدرَت مؤسسة القرض الحسن قراراً صريحاً بتعليق صرف شيكات التعويضات "حتى إشعار آخر".
ومنذ ذلك الحين، تراوحت تعليقات أصحاب الحقوق بين تفهّم للقرار، ربطاً بالظروف الصعبة التي يمرّ بها الحزب على صعيد مستقبل سلاحه في ظل التحوّلات في المنطقة واستمرار استهداف العدوّ لعناصره، وبين ممتعض من القرار، انطلاقاً من الحق بالتعويض إثر الحرب التي جرّها قرار الحزب بفتح معركة إسناد قطاع غزة، من دون إجراء حسابات دقيقة لإمكانياته ونتائج القرار. وبين تناقضات المواقف، ظهرت قرارات قفزت فوق كل المعايير لتختار معياراً مالياً يتلخّص بـ"الحصول على ما أمكن، بدل خسارة كل شيء"، وذلك من خلال طرح الشيكات التي لم تُصرَف بعد، للبيع بنسب متفاوتة، تصل أحياناً إلى نصف قيمتها.
وعلمت "المدن" أنّ بعض حَمَلة الشيكات غير المصروفة بعد، يعرضونها للبيع لأشخاص مستعدّين للمغامرة وانتظار استئناف الحزب دفع التعويضات. لكن الوصول إلى اتفاق بين البائع والشاري، ليس سهلاً "فالعملية تنطوي على مخاطر عالية"، يقول أحد الذين عُرِضَ عليهم "شيك" للبيع. فمن المحتمل "إغلاق القضية وعدم دفع التعويضات مستقبلاً، واعتبار أموال إعادة الإعمار المنتظرة، بمثابة تعويض نهائي على المتضرّرين. وتالياً خسارة قيمة الشيك نهائياً، وهو ما حصل قُبَيلَ وقف الحرب في 27 تشرين الثاني 2024، حين سُجِّلَت تعويضات الإيواء للكثير من النازحين، ولم يقبضوها، رغم أنّهم دفعوا أكلافاً كبيرة خلال الفترة الممتدة بين 23 أيلول و27 تشرين الثاني". وإحدى المخاوف الأخرى تتعلّق بـ"مخاطر إقفال مؤسسة القرض الحسن نهائياً في ظل الضغوط الخارجية والداخلية على الحزب. الأمر الذي يزيد مخاطر عدم استعادة الأموال".
وفي المقابل، يرى البعض الآخر أنّ "احتمال عدم الدفع بتاتاً، مستبعد. لأنّ مؤسسة القرض الحسن أثبتت في أكثر من استحقاق قدرتها على الدفع وإعادة الحقوق إلى أصحابها، سواء بالنسبة للأموال أو الذهب. لكن رغم ذلك، ليس من المحبّذ الدخول في عملية شراء الشيكات، تفادياً لأي عراقيل قد تطرأ، ولكي لا تتحوّل هذه العملية إلى سوق سوداء قد تجرّ معها إشكالات بين بائع الشيك وشاريه".
بين الخوف وعدمه، يفضّل البعض شراء الشيك من صاحبه "وبيعه لشخص آخر من المؤيّدين المخلصين للحزب، أو من عائلات محازبيه. فهؤلاء يؤمنون يقيناً بأنّ الحزب سيدفع، ولا يخافون من أي نتائج سلبية قد تطال مؤسسة القرض الحسن".
أموال المودعين بالمصارف
يراهن كثيرون على أنّ تعليق الحزب دفع التعويضات، هو مسألة وقتٍ لا أكثر، قبل أن تُستأنَف عملية صرف الشيكات. وما يزيد من إيجابية الرهان، هو المعلومات التي تمّ تداولها حول رصد الحزب مبلغ مليار دولار لإعادة إعمار الضاحية الجنوبية، ما يُثبت للجمهور أنّ الحزب لم يفقد قدراته المالية، لكن ترتيبات داخلية معيّنة حتّمت عليه تجميد دفع التعويضات.
ومع ذلك، ذكّرت عملية تعليق دفع التعويضات وما نتج عنها من بيع للشيكات بأقل من قيمتها الفعلية، بما شهده المودعون في المصارف التجارية. فهؤلاء جُمِّدَت أموالهم إلى أجل غير مسمّى، ودخلت الشيكات المصرفية دوّامة البيع بأقل من قيمتها الفعلية، فخسر أصحابها أموالهم. ومع أنّ تعويضات حزب الله ليست أموالاً أصيلة لمودعين لدى القرض الحسن، لكنّها مُستَحَقَّة لأصحابها بفعل إقرارها باسمهم، وتحت شعار التعويض عن خسائر وأضرار تكبّدوها بفعل حربٍ استدرجها الحزب. وبالتالي هي اليوم بحكم المحتَجَزة.
هي عملية رهان يدخلها طرفان، صاحب الشيك الأصيل، وشاريه. فالأوّل يراهن على تحصيل أموال مضمونة، على قاعدة المثل الشعبي القائل "عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة"، فيما الشاري يراهن على كسب أموال إضافية مستقبلاً، لكنّه كمن يشتري سمكاً في البحر. والخوف هو العامل المشترك.