صراع "البحرين" الأحمر والمتوسط: إسرائيل والخطر الأكبر

تصر إسرائيل على كسر كل التوازنات، وتغيير جغرافيات "الشرق الأوسط" أو وجه المنطقة، كما قال أكثر من مرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يوماً بعد آخر يتضح المشروع أكثر، وصولاً إلى رسم تحالفات على فيالق زلزالية، أو على ممرات برية وبحرية. بشكل أوضح، يتجلى الصراع حول "البحرين" الأحمر والمتوسط. في السياق، يأتي اعتراف إسرائيل بـِ "جمهورية أرض الصومال"، في محاولة لتغيير كل التوازنات في منطقة القرن الأفريقي، انطلاقاً من السعي الإسرائيلي لإيجاد موطئ قدم في البحر الأحمر. 

 

"إسرائيل العظمى"

فلهذه الجغرافيا موقع استراتيجي يشرف على خليج عدن، وهو ما لا يمكن فصله عن التطورات والتحولات في اليمن، لا سيما في الجانب الجنوبي منه. وتعتبر إسرائيل أن لديها مصالح استراتيجية ضمن أطماعها التوسعية في المنطقة، أو جعل نفسها "إسرائيل العظمى" بالمعاني السياسية، الأمنية، العسكرية والاقتصادية. ولذلك تنظر تل أبيب إلى منطقة القرن الأفريقي، باعتبارها المدى الحيوي الذي تريد تسجيل اختراقات فيه، وهي التي عملت على نسج تحالفات مع أثيوبيا، ودول أفريقية أخرى. كما أن هذا الصراع الدولي المحتدم هناك لا ينفصل عما شهده السودان من أحداث، وقد نظرت إليها دول عربية وأفريقية عديدة بأنه صراع من شأنه أن يهدد الأمن القومي لهذه الدول. 

 

أرض الصومال

مع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، طرحت أفكار كثيرة في إسرائيل حول تهجير سكان القطاع إلى "أرض الصومال" وإلى دول أفريقية أخرى، بينما تسعى إسرائيل مع أثيوبيا لإقناعها بالاعتراف بـ"أرض الصومال" مع محاولات إغراء أثيوبيا بأن علاقتها مع "أرض الصومال" ستمنحها إطلالة على خليج عدن والبحر الأحمر. وعليه، بالنظر إلى المشروع الإسرائيلي في غزة، وصولاً إلى الصومال وأثيوبيا، فإنه يشكل أكبر تهديد استراتيجي لمصر والأمن القومي المصري، بالإضافة إلى التهديد الذي يشكله المشروع الإسرائيلي على كل دول المنطقة. 

 

الذريعة الإيرانية

ستسعى إسرائيل لإقناع بعض الدول بأنها بدخولها إلى تلك المنطقة، تريد أن تتصدى للنفوذ الإيراني، وأن تجد موطئ قدم قريب من اليمن، ربما لإنشاء مواقع عسكرية هناك تحت شعار توجيه المزيد من الضربات ضد الحوثيين لإضعافهم وللقضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة. ولكن ذلك سيعني أن إسرائيل أصبحت تطوق المنطقة ككل، وتركز قبالة خليج عدن والمنطقة المطلة على باب المندب، وهو ما لا ينفصل عن الصراع على الممرات والمعابر والمضائق البحرية. 

 

"طريق الهند" وخطوط الغاز

فذلك لا ينفصل عن "طريق الهند" الذي تم الإعلان عنه قبل سنوات، وكانت إسرائيل من خلاله تطمح لأن تكون "دولة مركز" في التصدير ما بين الشرق والغرب، وآسيا وأوروبا، علماً أن طريق الهند يمر بدول الخليج، كما أنها تريد أن تتحول لمقر رئيسي لتصدير الغاز نحو أوروبا، وهي تريد لمرفأ حيفا أن يكون ذا دور إستراتيجي في كل هذه المشاريع. وهذا المشروع  تعمل عليه إسرائيل، إلى جانب محاولاتها لإعادة إحياء "تحالف دول شرق المتوسط"، والذي عملت على تأسيسه في العام 2020، ويضمها إلى جانب، مصر، اليونان، قبرص وإيطاليا، بهدف تصدير الغاز من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا. لكن الولايات المتحدة الأميركية اعتبرت يومها أن هذا المشروع غير مجد وتكاليفه عالية جداً، فتوقفت عن دعمه. حالياً تسعى إسرائيل إلى إعادة احياء هذا التحالف من دون السعي إلى إنشاء أنبوب لتصدير الغاز الطبيعي، بل بناء التحالف بهدف تصدير الغاز المسال إلى أوروبا، مع إمكانية إقامة معامل لتسييل الغاز، إمّا في إسرائيل أو في قبرص، علماً أن هذا المشروع يأتي في سياق الصراع على الممرات والمعابر في البحر الأبيض المتوسط، وهو صراع يصبح أكثر وضوحاً بين إسرائيل وتركيا. 

 

من الأحمر إلى المتوسط

وكما تحاول إسرائيل تغيير المعادلة في البحر الأحمر، فهي تسعى إلى ذلك في البحر المتوسط أيضاً، انطلاقاً من تنافسها مع تركيا، سواء في البحر المتوسط، أو في غزة أو في سوريا. هنا لا يمكن إغفال الاتفاق الذي كانت قد وقعته تركيا مع ليبيا حول ترسيم الحدود بينهما. وبذلك ضمنت أنقرة نفوذها في البحر المتوسط. وهنا لا يمكن إغفال حادثة سقوط طائرة رئيس الأركان الليبي بعد إقلاعها من أنقرة الأسبوع الماضي، لكن هذا الصراع مع إسرائيل تأجج مؤخراً في ظل التحالف الإسرائيلي القبرصي اليوناني والإعلان عن اتفاقات عسكرية بين هذه الدول، وهو ما تعتبره تركيا تهديداً لها. وكذلك، تنظر تركيا إلى المشروع الإسرائيلي في سوريا من خلال التوغل والاحتلال، أو من خلال دعم أي مجموعات تدعو إلى التقسيم والانفصال، على أنّه مشروع يستهدف تركيا ووحدتها، خصوصاً في حال أصرت إسرائيل على فتح ممر أمني باتجاه السويداء، ومن السويداء باتجاه شمال شرق سوريا (مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية). 

 

تركيا والتباين مع مصر

دول كثيرة تعارض المشروع الإسرائيلي، سواء في البحر الأحمر او البحر المتوسط. وفي السياق، تجتمع مصر، تركيا، السعودية وقطر، وغيرها من الدول ضد المشروع الإسرائيلي في غزة، والسودان وأرض الصومال. ولكن تختلف المقاربة بين تركيا ومصر مثلاً حول العلاقة مع أثيوبيا ومع سوريا. بينما تجد مصر طريقاً للتفاهمات مع إسرائيل حول اتفاقيات الغاز. وهذا نموذج عن حجم التعقيد الذي يحيط بهذه العلاقات الدولية. 

 

... والتوافق مع السعودية وقطر

في المقابل، يظهر حجم الاتفاق التركي السعودي القطري حول احتضان سوريا وسلطتها الجديدة برئاسة أحمد الشرع، بخلاف الموقف المصري الذي يبدو بعيداً جداً عن العلاقة الجيدة مع سوريا. لكن سوريا، تحولت إلى أرض تنافس ونزال تركي_عربي مع إسرائيل، في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، وسط محاولات تركية وعربية للحصول على دعم أميركي كامل لسوريا وحمايتها من أي مشاريع تقسيمية قد تدعمها إسرائيل. فلسوريا موقع جيواستراتيجي، برياً وبحرياً. ففي البر يمكن لسوريا أن تكون الجغرافيا التي تربط الشرق بالغرب، وهي التي تعد الربط البري ما بين دول الخليج وتركيا وصولاً إلى أوروبا، كذلك في البحر يمكنها أن تلعب دور الربط بين الشرق والغرب وآسيا وأوروبا. 

 

تغذية نوازع التشظي

في الصراع المفتوح على المعابر والممرات، تركّز إسرائيل على دور مرفأ حيفا، فيما سابقاً كان مرفأ بيروت هو نقطة ارتكاز أساسية في المنطقة، لكنه اليوم يبدو غائباً عن هذه المشاريع الاستراتيجية على مستوى المنطقة، وكذلك بالنسبة إلى مرفأ طرابلس. في مقابل مرفأ حيفا، تبرز أهمية لمرفأي طرطوس واللاذقية، وسط اهتمام من قبل دول عديدة بهما، كأن ذلك يضع المرفأين على تماس متنافس مع مرفأ حيفا، فيما سيكون التجاذب حول موقع لبنان في هذه المعادلة ومرفأي طرابلس وبيروت. وفيما تصر إسرائيل خلال مفاوضاتها مع لبنان على الإعلان عن مناقشات تطال التعاون الاقتصادي، والذي يشمل المنطقة الاقتصادية في الجنوب، أو ملف الغاز، فقد يطال التعاون أيضاً مسألة المرافئ، وسط تقاطعات إقليمية ودولية على مرافئ سوريا، في ظل المطامع الإسرائيلية الساعية إلى تعطيل هذه المرافئ وغيرها من المرافق العامة والبنى التحتية في المنطقة ككل، وخصوصاً في الدولة المحيطة بها، وجعل هذه الدولة إما ملحقة بها، أو حدائق خلفية لها، أو بحال تمنّعت فهي تريد لهذه الدول أن تبقى غارقة في حروبها وصراعاتها الداخلية، مع تغذية نوازع التقسيم والانفصال والتشظي.