ضرورتان للإنقاذ: شفافية الجيش التي ستطمئن الشعب والتصدي لإيران

بينما تشارف المُهَلُ الدولية والعربية لإنهاء مرحلة حصر السلاح غير الشرعي في جنوب لبنان وإلزامية البدء في مرحلة حصره شمال الليطاني، يصبح عمل الدولة اللبنانية، رئاسة وحكومة وجيشًا محطّ اهتمام استثنائي يستوجب اعتماد الشفافية الكاملة في التعامل مع هذا الملف من دون محاباة لأحد، ومن دون السماح بصدور إشارات ضعفٍ عن الدولة بمواقعها الدستورية والعسكرية تجاه "حزب الله" بذرائع الخشية من الحرب الأهلية والوصول إلى إقرار الأمن بالتراضي، فهذه السياسة دمّرت جوهر الدولة وقوّضت مؤسساتها وأدّت سابقًا إلى نشوب الحرب الأهلية.

سبق للرئيس جوزاف عون وقيادة الجيش أن رفضا اعتماد الكشف عن الإنجازات بحصر السلاح جنوب نهر الليطاني بذريعة الحفاظ على مشاعر بيئة "حزب الله" وعدم إشاعة التوتر، لكن لبنان مضطر اليوم للموافقة على آليات تحقق أسوأ بكثر مما كان متاحًا بشكل طبيعي قبل أشهر، من ذلك استخدام كاميرات فردية وأخرى يجري تركيبها على آليات الجيش خلال أعمال تفكيك الأنفاق والمراكز التابعة لـ "الحزب" كما يقترح الفرنسيون من أجل حماية الجيش من تهم التقصير التي يكيلها الإسرائيليون وانحاز إليها الأميركيون بإلغاء زيارة العماد رودولف هيكل إلى واشنطن.

يعمل الجيش اللبناني على إظهار قدراته للعالم لكسب الشرعية أمام العالم وحماية لبنان من تهديد الحرب الإسرائيلية المحدق، وهذا يوجب على الجيش والقيادة السياسية التواصل بشفافية مع الشعب اللبناني بشأن أنشطتهما ونتائج جهودهما وتوضيح المسار المقبل للخطوات الواجب اتخاذها، فالشعب اللبناني هو المتضرر من سلاح "حزب الله"، ويحتاج إلى التهديد الذي يشكله هذا السلاح في طريقه إلى الزوال، لذلك، ينبغي على الجيش نشر تقارير التقدم التي يقدمها إلى الحكومة اللبنانية، فهذه الشفافية ستطمئن الشعب بأن الخطر يتراجع، وستبني الثقة في جهود الجيش اللبناني لاستعادة السيادة والأمن.

وبقدر ما للشفافية من أهمية، فإن على المسؤولين في الدولة الحذر من النظام الإيراني الذي أنشب مخالبه في الكيان اللبناني منذ عقود، ولن يتنازل عن استثماره الضخم الطويل الأمد الذي أنفقه على "حزب الله"، لهذا فإن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي غير مرحب به في لبنان، طالما أن إيران تتدخل في الشؤون الداخلية للبنان، فلا مكان لزيارات المسؤولين الإيرانيين على الأراضي اللبنانية في ظلّ استمرار احتلالهم للبلد، وهذا موقف يجب أن تصعِّده الدولة اللبنانية بأركانها ومؤسساتها الدستورية، كما ينبغي على الأحزاب والقوى السيادية أن تستعيد تنسيقها وتضع هذا الجانب في صدارة الأولويات، فلا يمكن للبنان أن يكون ذا سيادة إلا بإزالة السيطرة الإيرانية عن أراضيه، فالسيادة الحقيقية تتطلب إنهاء النفوذ الإيراني وتفكيك شبكاته الوكيلة داخل لبنان.

لقد زاد الحرس الثوري الإيراني من تدخلاته في لبنان وأعاد نشر ضباطه في مواقع واسعة على الأراضي اللبنانية، وهم يسيطرون على نقاط الصواريخ الباليستية والمسيرات الدقيقة التوجيه، وهم الذين يتحكمون بقرار حزبهم الرافض لطرح الحكومة اللبنانية بحصر السلاح غير الشرعي، ومن البداهة الضغط لإجلاء القوات الإيرانية المحتلة من لبنان.

كما وسّع الحرس الثوري الإيراني هيمنته الطاغية نحو الرئيس نبيه بري الذي يبدو أنه أصبح الجناح الثاني لطهران في لبنان بعد أن أنجز الطرفان اتفاقًا جديدًا يجعل حركة أمل جزءًا من المنظومة الإيرانية المدعومة سياسيًا وعسكريًا واستراتيجيًا من قبل الحرس الثوري، وهذا أحد الأسباب في استمرار الرئيس بري في التصرف كديكتاتور يُبقي لبنان رهينة للماضي ولمصالح إيران وهو يدرك أن أفعاله تُهدد بتعطيل الانتخابات المقبلة وإغراق لبنان مجددًا في الاضطرابات السياسية وهو يدرك تمام الإدراك أن تمسكه بالأجندة الإيرانية يعرقل مسار لبنان نحو السيادة والاستقرار والتقدم.

أصبح واضحًا أن أغلبية الشعب اللبناني ترفض هذا السلوك لكن على هذه الأغلبية عدم الاكتفاء بالتعبير الخجول والانتقال إلى التحرك والضغط للوصول إلى مستقبل خالٍ من النفوذ الإيراني والسيطرة الديكتاتورية.