"طلب الرد" و"مخاصمة الدولة".. لتعطيل العدالة بأكبر قضية فساد

كما كان متوقعاً، عادت تصدّرت المواجهات القضائية المشهد، وانتقلت معركة تقاذف الاتهامات ورفع الدعاوى والتعاطي الكيدي بين القاضية غادة عون والقاضي غسان عويدات، إلى القاضية نازك الخطيب والمدير العام لهيئة السير هدى سلّوم. وعلى ما يبدو، فإن جميع الملفات القضائية متشابهة، ويجمعها التعطيل والمراوحة والتجاذب والعرقلة، وآخرها ملف الفساد في مغارة النافعة، التي تمثّلت بتحدي سلوم للادعاء وتقديمها طلب ردّ القاضية نازك الخطيب عن الملف، بعد اتهام سلوم بجرائم الرشوة والتزوير وهدر مال عام وإثراء غير مشروع.

تحقيقات مطولة
ليس جديداً ملف الرشاوى وهدر مال العام في النافعة، بل يعود لعام 2019، ولكن المستجد فيه هو توقيف أكثر من 43 موظفاً من إدارة السير بهدف التحقيق معهم، إلى جانب توقيف المديرة العامة هدى سلوم لليوم السابع على التوالي لدى شعبة المعلومات، بعد إخضاعها لتحقيقات دامت أكثر من 8 ساعات في موضوع الإثراء غير المشروع، ومن ثمّ إحالتها على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، لإخضاعها للتحقيق الاستنطاقي.

تحركات قضائية
الأمر الذي دفع سلوم يوم الإثنين 21 تشرين الثاني، بطلب رد المحامي العام الاستثنافي القاضية نازك الخطيب، عبر وكيلها المحامي مروان ضاهر، أمام محكمة الاستثناف المدنية في جبل لبنان، وذلك لاعتبارها أن الخطيب ارتكبت تجاوزات غير قانونية، إضافةً إلى ما أحدثه هذا الملف من إهانات شخصية في ملف يعود لعام 2019.

واعترضت سلوم على تعاطي القضاة في ملفها، وأبدت رفضها للقرارات القضائية، فتقدّم وكيلها، المحامي مروان ضاهر، أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، بدعوى مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة العدليين، مقدمة سلسلة من الشكاوى خلال متابعة الملف قضائياً وهي" تسريب التحقيقات السرية في هذه القضية، عدم توقيع محاضر التحقيقات المجراة من قبل القاضية نازك الخطيب من قبل من ينوب عنها أصولاً، مداهمة منزلها ليلاً بعد ختم التحقيق وإيداعه قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، إضافة إلى الإستيلاء على مستندات وكيلها من منزلها لمنعه من ممارسة حق الدفاع عنها، والإستيلاء على التصريح الخاص العائد للذمة المالية ومخالفة المادة الثامنة من قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع".

درباس يتدخّل
وإذا كانت الضغوط السياسية واضحة في هذا الملف، فربما ليس لافتاً انضمام الوزير السابق المحامي رشيد درباس إلى جانب المحامي مروان ضاهر لمتابعة قضية سلّوم. وفي اتصال مع المحامي درباس، أشار الأخير إلى أنه لا يمكنه التعليق أو الإدلاء بأي تصريح حول هذه القضية، معتبراً أن هذه القضية يجب أن تتحلى بسرية وكتمان المعلومات حتى انتهائها، مضيفاً أن محامي هذا الملف قاموا بواجباتهم وقدموا الدعاوى المناسبة".

تجاوزات قانونية؟
وحسب المعلومات التي حصلت عليها "المدن" خلال متابعتها الملف، فإن القاضية نازك الخطيب قد تبلغت بطلب الردّ المقدّم من سلّوم، يوم الإثنين 21 تشرين الثاني، ما يعني توقف متابعة النظر في هذه القضية فور إبلاغها، إلا أن الخطيب أصرت على متابعة الملف طالبةً من شعبة المعلومات مصادرة سيارة تعود لوالد أيمن عبد الغفور، رئيس مصلحة تسجيل السيارات، وهو ممن حققت معه الخطيب وأوقفته سابقاً لدى شعبة المعلومات. وحسب مصادر "المدن" القضائية، فإن وكلاء عبد الغفور، سيتقدمون خلال الأيام المقبلة بشكاوى قضائية ضد القاضية الخطيب وهي "طلب رد المحامية الخطيب عن ملف عبد الغفور"، و"دعوى مخاصمة الدولة".

إذا تأملنا واقع القضاء منذ بداية عام 2022 وحتى اليوم، سيتضح أمامنا أن المراوحة نفسها تتكرر مع جميع الملفات داخل أروقة المحاكم. ابتداءً من ملف انفجار المرفأ، وملف أحداث الطيونة، وملف غادة عون وحاكم مصرف لبنان، وغادة عون وعويدات، وصولاً إلى ملف النافعة. سؤال واحد يشمل كل هذه القضايا "هل حققت هذه المواجهات أي نتيجة"؟  طبعاً لا، ولكنها عطلت التحقيقات وحققت أهدافها المرجوة.

علماً أن المشكلة الأساسية لا تنحصر في طلبات الرد، إنما في المادة القانونية 125 من أصول المحاكمات المدنية والتي تفرض على القاضي المطلوب رده، والذي تبلغ طلب الرد، التوقف مباشرة عن متابعة النظر في القضية إلى أن يُفصل في الطلب. سيما أن هذه المادة ساهمت بشكل مباشر تعطيل قضية المرفأ لأكثر من عامين. وها هي اليوم تعرقل أكبر ملف فساد في تاريخ النافعة.