عامان على تفجير 4 آب.. تحقيقات متوقفة وحقيقة غائبة

كتبت "كارول صباغ" في "العين الإخبارية": لا تزال التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت متوقفة منذ ديسمبر الماضي، نتيجة التدخلات السياسية، التي شلت القضاء وجعلت الحقيقة في مهب الريح.

وتحل الذكرى الثانية للانفجار، ولا شيئ تغير، فلا الحقيقة ظهرت، ولا أي جهة تحملت المسؤولية في تفجير وصف بين أكبر 10 تفجيرات شهدها العالم.


وحتى الدمار الذي خلّفه الانفجار لا يزال على حاله، والمرفأ الأكبر وشبه الوحيد في لبنان معطل سوى بجزء صغير منه، وليس هناك من السلطة اللبنانية ما يحرك ساكتاً.

 عشرات الطلبات قدمت لإقالة القاضي طارق بيطار الذي يقود التحقيق وحتى الساعة لم تنجح سوى بشل حركته، ولكنها نجحت في عزل غيره من القضاة المشرفين على القضية، ما تسبب في تعليق مجريات التحقيق مراراً وتكراراً في أثناء الفصل في القضايا.


فالمحقق العدلي تجرأ ودخل في المحظور واستدعى نواباً ووزراء ورؤساء مجلس وزراء وقادة عسكريين، فكانت ردة الفعل عليه صادمة، وكان أكبرها وأعنفها من "حزب الله" الذي أرسل التهديدات المباشرة له عبر كبار مسؤوليه وفيق صفا الذي هدد بـ"تطييره".

كما تم افتعال إشكالات أمنية على الأرض مما حدث في منطقة الطيونة في ديسمبر/كانون الأول 2021 والذي أدى لسقوط 4 قتلى، إضافة إلى الضغط على أهالي الضحايا من الطائفة الشيعية للانقلاب على القاضي وعلى رفاقهم المطالبين بالحقيقة.

ولم يتوقف الحزب عند هذا الحد؛ بل وصل الأمر بأحد وزرائه (وزير الثقافة محمد المراضي) إلى تهديد زملائه في الحكومة كوزيري العدل والداخلية بـ"الويل والثبور" في حال لم يتخذا اجراء بحق المحقق العدلي.

"وزير نصر الله" هدد كذلك بتفجير الحكومة من الداخل، وخلق أزمة سياسية جديدة في البلاد إذا لم تتخذ الحكومة إجراء يتغيير القاضي، وهذا ما رفضه رئيسي الجمهورية ميشال عون، والحكومة نجيب ميقاتي على اعتبار أنه ليس للحكومة سلطة على القضاء، فضلا عن أن الدستور اللبناني يأمر بفصل السلطات.

حرب ضروس على بيطار
المحلل السياسي اللبناني المتخصص في الشؤون القضائية، يوسف دياب، تحدث عما آل إليه التحقيق في انفجار المرفأ وما قد يصل إليه لا سيما في ظل الضغوط السياسية التي يتعرض لها القاضي طارق بيطار.

دياب قال لـ"العين الإخبارية" إن "مسار التحقيق يواجه معارضة سياسية كبيرة منذ أن بدأ القاضي فادي صوان المحقق العدلي السابق بالادعاء على سياسيين من نواب ووزارء ورئيس الحكومة السابق حسان دياب، إلى أن أقيل تحت الضغوط السياسية التي تعترض على أي قرار بملاحقة أي شخص من رموزها أو شخصياتها ومن ثم عيّن القاضي طارق فادي بيطار خلفا له".

وتابع: "وعندما بدأ بيطار عمله حقق مع الكثير من المدعى عليهم والشهود وتبنى الادعاء السياسي على وزراء ونواب الذي كان قد قام به القاضي صوان واستكمل هذه التحقيقات عبر إضافة أسماء جديدة مثل وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق ومدير عام الأمن العام الحالي اللواء عباس إبراهيم وقائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير المخابرات السابق كميل ضاهر و3 ضباط متقاعدين في الجيش".

ونله إلى أن "حربا ضروسا بدأت ضد القاضي بيطار منذ أن وضع لائحة الادعاء وبدأ استدعاء السياسيين وأصدر بحقهم مذكرات توقيف غيابية مثل يوسف فنيانوس ووزير المالية السابق والنائب الحالي علي حسن خليل، وبدأت تتراكم ضده دعاوى الرد بحيث كانت آخر جلسة عقدها في 23 ديسمبر/كانون الأول 2021 وهي كانت مخصصة لاستجواب الوزير غازي زعيتر وقائد الجيش السابق والضباط الآخرين".

ولفت إلى أنه "قبل أن يبدأ في عقد الجلسة تبلغ بيطار دعوى الرد ضده وأوقف التحقيق، وحتى الآن التحقيق معطل بعدما انهمرت ضده عشرات دعاوى الرد التي تطالب بكف يده عن القضية"، معتبرين أنهم تستهدفهم سياسيا، إضافة إلى عدد من دعاوى مخاصمة الدولة لأن هؤلاء السياسيين قد يلحق بهم ضرر بسبب قرارات القاضي بيطار ولذا يمكن القول إن التحقيق متوقف تقريبا بشكل كلي منذ حوالي 7 أشهر.

لكن رغم ذلك يؤكد المحلل السياسي والصحفي اللبناني، أن "الأجواء تشير إلى أن القاضي بيطار لن يستسلم أو ينهزم أمام هذه الحملات، وهو مصر أن يستكمل التحقيقات وينتظر من محاكم التمييز التي عليها البت بعدد من الدعاوى المقدمة لديها ضده ليستكمل التحقيق وأن يتم تعيين الهيئة العامة لمحكمة التمييز مع توقيع وزير المال مرسوم تعيين رؤساء المحاكم حتى تبت بدعوى مخاصمة الدولة على أخطاء القاضي بيطار، بحيث أنه إذا ردت الدعاوى تطلق عندها يد البيطار من جديد لاستكمال مهمته".

وأوضح دياب أن "المعلومات تؤكد أن بيطار اجتاز 80 بالمئة من التحقيق وهناك بعض المدعى عليهم الذين لم يستطع استجوابهم بسبب الدعاوى المقدمة ضده ولكنه مصر على استجوابهم وعلى اتخاذ القرارات التي يفرضها التحقيق بحقهم إما بتوقيفهم أو بتركهم رهن التحقيق أو بمنعهم من السفر أو بمصادرة جوازات سفرهم أو ربما تركهم أحرار".

إلى ذلك نقل زوار القاضي قوله إنه غير مستعد على ترك أهالي الضحايا، مضيفا: "هم مشلوحون في الطرق ولا أحد يهتم بأمرهم.. ليس لديهم سوى هذا التحقيق ما يجعلني متمسكاً به أكثر فأكثر.. وهذا حد أدنى من أجل الضحايا والأرواح التي لاقت مصرعها في هذا الانفجار.

ولم يجد القاضي بيطار كلمات لختم حديثه بها مع زواره أفضل من: "أنا مسؤول عن هذه الأرواح.. وهنا ضميري يعذبني وسيعذبني كل حياتي إن تنحيت عن هذه المسؤولية الكبرى، وهذا مستحيل مهما حدث.. لقد وافقت على هذه المهمة من أجل أن أنهيها. أما إن هم أرادوا استبدالي فهذه مسألة أخرى".