عام على وقف إطلاق النار: "حزب الله" بين الالتزام المعلن والخرق المقنّع

عامٌ على اتفاقية وقف إطلاق النار الذي قدّم للبنانيين على أنه خشبة الخلاص لاحتواء الحرب جنوبًا وإعادة الحدّ الأدنى من الاستقرار إلى بلد ينهار على كل المستويات. لكن بعد اثني عشر شهرًا، لم يعد السؤال افتراضيًا أو سياسيًا، بل واقعيًا وملحًّا: هل التزم "حزب الله" فعليًا بالاتفاق، أم استخدمه كغطاء مؤقت لإدارة التوتر؟

منذ اليوم الأول، سارع "حزب الله" إلى إعلان التزامه بالاتفاق، غير أن الواقع كان معاكسًا فخطابات أمينه العام لم تعكس يومًا هذا الالتزام. بل جاءت مشبعة بلغة التحدّي والتهديد والوعيد، وكأن وقف إطلاق النار ليس سوى هدنة تكتيكية، أو استراحة محارب، بانتظار تبدّل اللحظة الإقليمية المناسبة.

هذا التناقض بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية لم يكن تفصيلاً عاديًّا بل شكّل المؤشّر الأول إلى أن الحزب لا يتعامل مع الاتفاق بوصفه التزامًا وطنيًا أو دوليًا، بل كأداة ظرفية يوظّفها وفق حساباته الخاصة، بعيدًا عن أي اعتبار لمصلحة الدولة أو اللبنانيين.

سياسيًا، يصرّ الحزب على أن خلافه محصور بإسرائيل، لا بالدولة اللبنانية. عمليًا، أبقى خطوط الاشتباك مفتوحة، سواء عبر تصريحات نارية متلاحقة أو تحرّكات ميدانية محسوبة بعناية. فصحيح أن هذه الخروقات بقيت دون عتبة الانفجار الكبير، لكنها لم تكن بريئة ولا عشوائية

بل أكثر من ذلك، وفّر الحزب، الذرائع المتكرّرة لإسرائيل، عبر خطابات أمينه العام الشيخ نعيم قاسم التي لم تتوقف عن التلويح بالجاهزية العسكرية والعودة إلى المواجهة، ما حوّل وقف إطلاق النار إلى حالة هشّة معلّقة على مزاج الخطاب لا على نص الاتفاق.

أخطر ما في المشهد أن "حزب الله" لم يسمح، طوال عام كامل، بأن تكون الدولة اللبنانية المرجعية الأمنية الوحيدة كما يفترض أي اتفاق سيادي. لم تُعزَّز صلاحيات المؤسسات الرسمية، ولم يُسلَّم القرار الميداني للجيش، بل استمر الحزب في إدارة الأمن وفق منطق الأمن الذاتي، من خارج القنوات الشرعية. وفي كل إطلالة إعلامية، يخرج أمينه العام ليؤكد الجهوزية الكاملة للحرب، وإعادة تنظيم المعسكرات، وتطوير القدرات العسكرية، وكأن الاتفاق لم يكن أكثر من ورقة بلا قيمة.

أما الخطاب السياسي، فقد بقي مشحوناً تجاه إسرائيل والولايات المتحدة وحتى دول عربية، في تناقض فاضح مع روح أي اتفاق يهدف إلى خفض التصعيد. ورغم أن الكلام لا يُعد خرقًا عسكريًا مباشرًا، إلا أنه شكّل جزءًا أساسيًا من مناخ التوتر الدائم، ورسالة واضحة برفض أي ترتيبات تحدّ من دور “المقاومة” أو تُخضع سلاحها لأي إطار وطني جامع.

هكذا بدا الاتفاق شكليًا في التطبيق، فارغًا في الجوهر. فالحزب تعامل معه كقيد مفروض على سلاحه، لا كآلية لحماية لبنان، واستمر في فرض معادلته الخاصة على حساب الدولة لانه بكل بساطة لا يحترم الدولة وأكثر لأن قراره يأتي بشكل واضح من ايران.

النتائج كانت كارثية على الداخل اللبناني فكان هناك قلق دائم في الجنوب من اعادة الحرب خاصة مع ورود معلومات بمرحلة جديدة سيكون عنوانها الحرب الكبرى، شلل في إعادة الإعمار والاستثمار، اهتزاز الثقة الدولية بقدرة لبنان على احترام التزاماته، وتعميق الانقسام الداخلي حول السلاح ودور الحزب. نستطيع القول انّ وقف إطلاق النار لم يتحوّل إلى فرصة للاستقرار، بل إلى مرحلة انتظار مشوبة بالخوف.

يمكننا القول إنّ الخلاصة باتت واضحة، "حزب الله" لم يلتزم باتفاق وقف إطلاق النار إلا بالقدر الذي يخدم مصالحه وتطلعاته. أما الخروقات، والخطاب التصعيدي، واستمرار العمل خارج مؤسسات الدولة، فكلّها تؤكد أن الاتفاق كان مساحة مناورة مؤقتة بانتظار تغيّر الظروف الإقليمية ولم يكن يومًا التزامًا وطنيًا جامعًا.

ختامًا يبقى السؤال الأكبر الذي يتجاهله كثيرون، كيف يمكن لأي اتفاق أن يصمد في بلد تحتكر فيه ميليشيا مسلحة مصنفة ارهابية وتطبق اجندة إيرانية وحدها القرار العسكري والسياسي؟

حتى يومنا هذا فإنّ الجواب محسوم. طالما بقي السلاح خارج الدولة، سيبقى أي اتفاق هشّاً، وأي وقف لإطلاق النار مؤقتًا، وأي حديث عن الاستقرار مجرّد وهم.