عقود الإيجارات غير السكنية: تمديد إضافي والعين على تحريرها بالكامل

قد يكون موضوع الايجارات في لبنان من أعتق الازمات التي لم تجد لها العهود والحكومات أي حلول جذرية تمنح المستثمر القدرة على الافادة المستدامة من عقاره، وفي المقابل تعطي المواطن استقرارا سكنيا واجتماعيا مقبولا ومقدورا عليه. فواحد من أعطاب الاقتصاد اللبناني هو عدم الاستقرار في قوانين الايجارات. وما المحاولة الوحيدة التي أُنجِزت في التسعينات في عهد حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إلا خطوة يتيمة حررت الايجارات الجديدة لكنها أبقت القديم على قِدمه بسببٍ من شعبوية ومزايدات سياسية باعت الناس أوهاما ومصالح آنية وحرمتهم من امتلاك شقق ومنازل كان يمكنهم اقتناؤها في حينه. هذا التعديل لم يُستتبع بخطة وطنية تعيد تشكيل خريطة الايجارات في لبنان وتفعيل ربحيتها بسبب تأثير الضغوط السياسية والاجتماعية وجنوح الدولة الدائم نحو التهرب من مواجهة المشكلات والازمات مباشرة والاستعاضة عن ذلك بالتسويف والتأجيل وبيع الاوهام.


وكما قانون الايجارات السكنية، كذلك الحال بالنسبة الى قانون الايجارات غير السكنية، إذ أقر مجلس النواب أخيرا اقتراح القانون الذي كانت قد أنجزته لجنتا الإدارة والعدل والمال والموازنة القاضي بتحرير الإيجارات غير السكنية القديمة (ما قبل 23/7/1992). ويُستشفّ من مضمون القانون وأسبابه الموجبة أنه يصبّ في نفس اتجاه قانون 28/12/2014 وتعديلاته، الذي كان حرر الإيجارات السكنية القديمة تاركاً مسألة تحديد وضعية الإيجارات غير السكنية لقانون آخر يصدر على حِدة، إذ لحظ تحرير #عقود الإيجارات غير السكنية القديمة بعد 4 سنوات على أن يتم رفع البدلات تدريجا خلال هذه الفترة حتى تصل إلى قيمة بدل المثل (8% من قيمة المأجور). وقد منح الاقتراح المعدَّل المالك إمكان تقصير فترة التمديد إلى سنتين في حال تنازله عن حقه بالزيادات التدريجية، ويلحظ أن هذه العقود تشمل مجمل عقود الإيجارات لممارسة التجارة أو الصناعة أو أي مهنة حرة منظمة بقانون أو مهنة حرفيّة أو أي نشاط آخر غير سكني. كما يلحظ القانون إمكان استرداد المأجور قبل انتهاء المدة في حالات معينة مقابل تعويض يصل إلى 15% من القيمة البيعية للمأجور.

تمديد للأزمة؟

إذاً، منذ سنة 1939 يسعى المشرّع من دون تحقيق اي نتيجة الى سن قانون واحد ينظم العلاقة التعاقدية بين المستأجر والمالك، وعوضا عن تحقيق ذلك أُقرت قوانين استثنائية متعاقبة في محاولة من المشرّع لفضّ الاشتباك بين الطرفين، الامر الذي خلق مزيدا من التعقيدات بدل ايجاد الحلول.

وبالعودة الى جذور المعضلة، اراد المشرّع جعل عقود الايجارات ممددة بعد انقضاء مدتها بحكم القانون، فلا يستطيع المؤجر طلب اخلاء المأجور ويبقى المستأجر في المأجور وبالشروط نفسها. وكانت القوانين الاستثنائية الممددة للعقود تسري بشكل فوري ومباشر من تاريخ العمل بها. وهكذا فإن العقود المعقودة قبل 23/7/1992 سواء كانت سكنية ام غير سكنية كان يشملها التمديد، وتكرّس ذلك في القانون الرقم 160/1992 (المنتهي الصلاحية) والقانون الرقم 2 تاريخ 28/2/2017 الذي تلا القانون الصادر بتاريخ 9/5/2014. وبالنسبة الى عقود الايجارات السكنية نصت المادة 15 من قانون العام 2014 على تمديد العقود لغاية 9 سنوات لغير المستفيدين من الصندوق و12 سنة للمستفيدين تبدأ من تاريخ نفاذ القانون، وبعدها يصبح الايجار حرا. وعندما صدر القانون الرقم 2/2017 أبقى على المادة الخامسة عشرة المذكورة، غير ان ذلك مربوط بقيام الدولة بتنفيذ واجباتها لجهة الصندوق وتقديماته، ناهيك عن بعض اللغط الذي تحدثه هذه المادة.

اما بالنسبة الى عقود الايجارات غير السكنية، فتوالت قوانين التمديد منذ القانون الصادر بتاريخ 9/5/2014 ثم القانون الرقم 2 تاريخ 28/2/2017 والقانون الرقم 111 تاريخ 6/12/2018 والقانون الرقم 176 تاريخ 13/5/2020 والقانون الرقم 243 تاريخ 16/7/2021 الذي مدّد اخيراً عقود الايجارات غير السكنية لغاية 30 حزيران 2022 ضمناً. وفي جلسته المنعقدة يوم الجمعة الماضي، اقر مجلس النواب اقتراح القانون الرامي الى تمديد عقود الايجارات للاماكن غير السكنية لمدة قصوى إضافية هي أربع سنوات من تاريخ نفاذ القانون مع مراعاة احكام قانون التجارة، وأتى تصويت الهيئة العامة بعد مرور الاقتراح في لجنة الإدارة والعدل وتعديله فيها.
ينص القانون الجديد على تمديد عقود إيجارات العقارات المبنية للأماكن غير السكنية المعقودة والمنتهية مدتها الأصلية قبل 23/7/1992. اما الأماكن غير السكنية فهي تلك المؤجرة لممارسة التجارة أو الصناعة أو أي مهنة حرة منظمة بقانون أو مهنة حرفية أو أي نشاط آخر غير سكني.


وفي تفاصيل القانون، تمدد الإيجارات في الأماكن غير السكنية لمدة أقصاها أربع سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون في حال طالب المؤجر بالزيادات التدريجية على بدل الايجار المحددة في القانون، وبعدها تصبح الإيجارات حرّة وخاضعة لإرادة المتعاقدين. وتمدد الايجارات لمدة سنتين فقط من تاريخ نفاذ القانون في حال تنازل المؤجر عن حقه في الزيادات التدريجية المحدّدة. ويعتد بالتنازل الضمني الناتج عن عدم تقديم المؤجر أي طلب لتحديد بدل المثل في خلال السنتين التاليتين لصدور هذا القانون، على ان يُحتسب بدل المثل على أساس نسبة 8% من القيمة البيعيّة للمأجور في حالته الحاضرة في ما لو كان خاليا. ويحدد بدل المثل رضاء بين المؤجر والمستأجر وفقا لقيام المؤجر بإرسال كتاب الدعوة للتفاوض الى المستأجر بموجب بطاقة مكشوفة مضمونة مع إشعار بالتسلّم أو بموجب كتاب بواسطة الكاتب العدل. وعلى المستأجر أن يجيب عن هذه الدعوة من خلال كتاب يرسله الى المؤجر خلال مهلة عشرين يوماً من تاريخ التبليغ أو تاريخ إثبات تعذّر إجراء معاملة التبليغ من القائم بالتبليغ. وفي حال التوصل الى اتفاق رضائي يتم توقيع عقد خطي بهذا الخصوص. أما في حال عدم التوصل الى اتفاق رضائي على تحديد بدل المثل وفقاً لما هو مبين، يتوجب على المؤجر أو المستأجر ان يتقدم أمام القاضي المنفرد المدني الناظر بدعاوى الإيجارات الذي يقع المأجور ضمن نطاق صلاحيته، باستحضار أو بموجب عريضة مشتركة من أجل تحديد بدل المثل قضاءً على ان يقرّر القاضي تعيين خبير للمهمّة.

ووفقا للأرقام والإحصاءات الرسمية من وزارة المال لغاية بداية عام 2019، يتبين أن العدد الإجمالي لعقود الإيجارات القديمة المسجلة بين أماكن سكنية وغير سكنية هو 90.827 وحدة: عقود الاماكن السكنية 64.926 فيما عقود الأماكن غير السكنية 25.901. وبطبيعة الحال هذه العقود تناقصت مع الوقت لا سيما مع اجراء تسويات ومصالحات واستردادات للاماكن المعنية.

من وجهة نظر مالكي الأماكن غير السكنية فهم يرغمون على التمديد منذ أكثر من ثلاثين عاما ويعانون من نوع من "الاحتلال" لأرزاقهم في ظل البدلات الزهيدة، التي وصلوا الى حد الخجل من تقاضيها، في ظل الهبوط الحاد لليرة اللبنانية مقابل الدولار وإشغال ممتلكاتهم من تجارٍ اعمالهم مزدهرة وآخرين يشغلون المحال صوريا فقط من أجل استمرارية الايجار. ولا يزال المالكون ينتظرون اليوم الذي ستتحرر فيه ممتلكاتهم ليتمكنوا من استثمارها والافادة منها، وقد فاتهم الكثير في ظل التمديد المتعاقب، علما أن بعض المالكين اعتبروه خطوة نحو التحرير الكامل المنشود لممتلكاتهم، على ألّا يتم التمديد للقانون بعد اربع سنوات، كما هي الحال في كل الازمات التي تعانيها البلاد.يبقى التساؤل عن احتمال الطعن بهذا القانون الجديد امام المجلس الدستوري، وماذا ستكون كلمته حيال ذلك.