علي لاريجاني: هجوم إيران المضاد في لبنان ثم سوريا

في مقابلة تلفزيونية نقلت بعض أجزائها وكالة "فارس"، أدلى الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بموقف يمكن اعتباره بمثابة إعلان صريح على إطلاق النظام الإيراني هجومه المضاد في الإقليم. فقد قال: "بالنسبة إلى لبنان إذا كان حزب الله لا يقوم بأي تحرك في الوقت الحالي، فذلك لأنه لا يريد أن يخل باتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والنظام الصهيوني، وإلاّ فإنه يمتلك القدرة على قلب موازين الساحة". أضاف لاريجاني بالنسبة إلى سوريا: "إذا كانت أميركا تريد أن تشهد جنازات كل يوم وتهاجم دولاً مختلفة، فإن وضع سوريا لن يبقى على ما هو عليه. فسوريا شعبها مسلم، ولن يقبل بهذا الوضع"!

تأتي هذه المواقف بعد عودة علي لاريجاني من زيارته إلى بيروت للمشاركة في الذكرى السنوية الأولى لمقتل الأمينين العامين السابقين لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، حيث جلس في مقدمة المشاركين في احتفالية الذكرى في الضاحية الجنوبية لبيروت، مستمعاً وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، إلى خطاب الأمين العام للحزب المذكور الشيخ نعيم قاسم يعلن فيه رفض حزبه الحاسم والقاطع نزع سلاحه، ومهدداً من يسعى لنزع سلاحه أن "حزب الله" سيخوض مواجهة من دون حدود وصفها بـ "الكربلائية"!

كما تأتي مواقف لاريجاني، المعتبر من أرفع قيادات النظام الإيراني ومن أقرب الشخصيات إلى المرشد علي خامنئي في أعقاب الضربات القاسية التي لحقت بالنفوذ الإيراني في كل من سوريا  ولبنان حيث جرت تصفية هذا النفوذ مع سقوط نظام بشار الأسد. وأتت في لبنان بعد أن وجهت إسرائيل ضربة قاصمة إلى ذراع إيران الأساسية المتحصنة في لبنان، أي "حزب الله". وأخيراً ليس آخراً أتت المواقف المشار إليها بعد قيام إسرائيل بمهاجمة إيران مباشرة في ما عرف بحرب الأيام الـ 12 في شهر حزيران الفائت، والتي كشفت عن نقاط ضعف بنيوية في دفاعات "الحرس الثوري" العسكرية، وفي قدرات الجيش الإيراني بشكل عام. ولا ننسى قيام إسرائيل بتدمير قطاع غزة بالكامل رداً على عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول 2023، وإلحاق خسائر فادحة بقدرات جماعة "الحوثيين" في اليمن.

عملياً يمكن تفسير مواقف علي لاريجاني الذي يقود السياسة الإقليمية للنظام الإيراني ويمثل المرشد الأعلى الإيراني شخصياً، بأنها الأكثر تعبيراً عما يريد المرشد الأعلى قوله وإيصاله في الإقليم.

وبالعودة إلى المواقف الواردة أعلاه، فإنها تمثل إعلاناً صريحاً لا يحتمل أي التباس بأن إيران قررت أن تخوض معركة العودة بقوة إلى الساحة اللبنانية عبر ذراعها المحلية، أي "حزب الله"، والعمل بجدية على استعادة جزء وازن من النفوذ على الساحة السورية. واللافت أنها المرة الأولى التي يراهن فيها النظام الإيراني على لبنان كنقطة انطلاق لاستعادة موقعه في سوريا، فيما كانت سوريا بوصفها عمقاً استراتيجياً في الماضي نقطة الانطلاق لتدعيم نفوذ إيران في لبنان وحماية المنصة الأمنية والعسكرية التي أقامها "حزب الله" على مدى عقود.

اليوم، ومن خلال قراءة مضمون الموقف القاطع للحزب المذكور، يمكننا فهم مقاربته لقرارات الدولة اللبنانية التي أقرت مبدأ "حصر السلاح" في جلستين لمجلس الوزراء عقدتا يومي 5 و 7 من شهر آب/ أغسطس الماضي على أنها قرارات لاغية وكأنها لم تكن. ومن خلال كل المواقف الإيرانية المرتبطة بوضع "حزب الله" ودوره ووظيفته وسلاحه يتضح الرابط العضوي بين إيران وذراعها في لبنان، لاسيما عندما يتعلق الأمر بقرارات استراتيجية. من هنا تصعيد "حزب الله" السياسي، والإعلامي، وتهديده باستخدام جمهوره في الشارع، وصولاً إلى التهديد بمواجهة الدولة (من دون أن يسميها) بالقوة إذا ما حاولت نزع سلاحه.

إننا نشهد راهناً محاولة إيرانية حثيثة تهدف إلى ترميم نفوذها وسيطرتها على الساحة اللبنانية، ونلمس مؤشرات على أن طهران تحاول أن تتسلل إلى الساحة السورية عبر شقوق الأزمات التي ورثها الحكم في دمشق. بهذا المعنى يبدو أن النظام الإيراني يعيد إحياء عقيدته الأصلية التي قامت على بسط نفوذه في الساحات العربية في الإقليم من العراق إلى سوريا، فلبنان وفلسطين واليمن، من أجل إقامة دوائر دفاعية عن النظام تزيد من صعوبة استهدافه. وبكلام أكثر بساطة إن إيران تبسط نفوذها من أجل أن تخوض معارك الدفاع عن النظام في الخارج وتجنب خوضها في قلب طهران نفسها. ونستنتج أن إيران تخوض اليوم معركة العودة للإمساك بلبنان كسابق عهدها، تزامناً مع محاولة اختراق الساحة السورية أقلّه لانتزاع موقع جديد فيها.