عن البابا لاوُن الرّابع عشر في لبنان.. الصّائغ: صون هويّته الحضاريّة وتقاطعات جيو-سياسيّة عميقة الرّمزيّات....!

بقلوب ملؤها الأمل والرّجاء، يتحضّر اللّبنانيّون لاستقبال البابا لاون الرّابع عشر في زيارة تاريخيّة تبدأ الأحد بلقاء الرؤساء الثلاثة في القصر الجمهوري، وتتوّج الثلاثاء بالقداس الإلهي الذي سيشارك فيه أكثر من 120 ألف لبناني، وما بينهما محطات تكرّس لبنان وطن الرسالة والعيش المشترك. فما دلالات هذه الزيّارة التي تأتي في أصعب مرحلة يمرّ بها لبنان خصوصًا والمنطقة عمومًا؟

الدكتور زياد الصّائغ، المدير التنفيذيّ لملتقى التأثير المدني، يؤكد لـ"المركزية" أن ""ليس صدفة أن يختار البابا لبنان محطة أولى بعد تركيا، بل رسالة بأنّ انهياره يضرب التعدديّة والعيش معًا، في الشرق كلّه،  
وفي العالم كُلّه. وزيارةُ البابا إلى لُبنانَ لَيسَت عاديَّةً، بل هي لحظةٌ تاريخيَّةٌ تفرِضُ استثنائيّتَها. ففي وطنِ الرِّسالة، وعلى امتدادِ الإقليم والعالَم، تتقاطعُ المواجهات الكبرى. السَّلامُ في وجهِ الحرب، والحِوار في وجهِ العنف، والمواطنة في وجهِ الأقلويّة والأكثرويّة، والدولة في وجهِ اللادولة"، معتبرًا أن "لبنان يملِكُ فرصةً نادرة ليُثبِتَ أنّه دولة قادرة على النهوض".

ويشير الصّائغ إلى "أن الكرسي الرسولي، لم ييأس، طوال خمسة عقود، من رؤية لبنان دولة نموذجًا، رغم الانهيارات السياسيّة والاقتصاديّة والسياديَّة. والبابا لاون يأتي اليوم حاملاً عنوانًا يتجاوز البروتوكول وهو السَّلام. ورسالته للّبنانيين/ات واضحة.إمّا أن تُنقذوا دولتكم… أو تضيع رسالتكم". 

يأتي البابا لاون بحسب الصائغ ليقول إنّ "لبنان يستحقّ الحياة، ويستحقّ القيامة، ويستحقّ دولة تُشبه رسالته. وليقول للعالم أيضًا أن إنقاذ لبنان هو دفاع عن الإنسان"، وعن التعدديّة المهدّدة، وعن نموذج قادر على البقاء جسرًا بين الشرق والغرب. فالفاتيكان يدرك أنّ انهيار لبنان يفتح انهيارًا أوسع في المنطقة، ولذلك يتحرّك بثبات روحي–سياسي بعيدًا عن الاصطفافات."

من هُنا تغدو زيارة البابا لاوُن  الرابع عشر، يقول الصائغ ، "فرصة لكتابة فصل جديد، الاستقلال الثالث إستقلال الدَّولة عن الفوضى، وإستقلال الحقيقة عن التزوير، وإستقلال الإنسان عن كلّ منظومة تُسقط إرادته في الخير العامّ. هذه لحظة لا تقبل الرماديّة. ويقولها بنبرة أبويَّة، وبصراحة نبويَّة، وبصلابة رجل دولة أخلاقيّ يعرف أنَّ الوقت يضيق، وأنَّ لُبنان، رغم كلّ شيء، لا يزال يستحقّ أن يُنقَذ."

ويرى الصّائغ أن "الشرق الأوسط يَمُرُّ في هٰذهِ المرحلةِ بِوَاحِدٍ مِن أَدَقِّ مَنعَطَفَاتِهِ، حَيثُ تَتَشابَكُ الأَزمَاتُ تَحتَ وَقعِ الحُروبِ وَالفَوضى. في المقابل، يَرتَفِعُ صَوتُ من العراق، هو صوت السيِّد السّيستاني الّذي نُقِلَت عنهُ رِسالةٌ تُحَذِّرُ مِن تَرْكِ المُجتَمَعِ اللّبنانيِّ لِقَدَرٍ قاسٍ قَدْ يَدفَعُهُ مُجدَّدًا إِلى التَّهجيرِ وَالضّياعِ، وَتَفَكُّكِ الضّماناتِ الأَولِيّةِ للحياةِ. ويَتَقاطَعُ كلامه مع رؤيةِ الإمامِ مُحمّدٍ مهدي شمسِ الدّينِ الّذي اعتَبَرَ أَنَّ لُبنانَ فِكرَةٌ نَبيلَة قَبلَ أَن يَكونَ وَطنًا، وَأَنَّ دَورَهُ يَتَجاوَزُ حدودَهُ الضيّقةَ لِيُصبِحَ حاجةً للمنطقةِ كُلِّها."

ويعتبر الصّائغ أن "ما قاله السيّد السّيستاني في رسالتِه، متزامِنًا مع زيارة البابا لاوُن الرَّابع عشر إلى لبنان، ليس سياسيًّا بمقدارِ ما هو حِرصٌ حَضاريّ على الإنسانِ الذي يتحوّلُ في لبنان إلى وقودٍ لصراعاتٍ لا تُنتِجُ إلّا المآسي. الدعوةُ إلى عدمِ تركِ المجتمعِ الشّيعيّ اللبنانيِّ عُرضةً لحربٍ جديدةٍ هي دعوةٌ إلى صَونِ الكرامةِ الإنسانيّةِ قبل أيِّ حسابٍ سياسيّ." 

ويضيف الصائغ "فحينَ يُحذّرُ السيّد السّيستانيُّ مِن موجاتِ تهجيرٍ إضافيّةٍ قد تصيبُ شيعةَ لبنان في بيروت والجنوبِ والبقاع، ويُنَبّهُ إلى خطرِ انهيارِ البُنى الاجتماعيّةِ تحت ضغطِ الحربِ واستحالةِ العودةِ إلى المنازلِ المُدمَّرةِ، فإنّه يُعيدُ التذكيرَ بأنَّ الإنسان هو القيمةُ الأولى، وأنّ السّلطةَ وأدواتِها تفقدُ معناها إذا كان ثمنُها تفتُّتَ النّاسِ وتشريدَهم وفقدانَهم أبسطَ مقوّماتِ العيشِ الآمنِ"، مشيرًا إلى أن "هذا الموقف يتقاطعُ مع هواجس عدَّة يُعبِّرُ عنها أكثر من مرجعيَّة شيعيَّة، مشدّدين على أنّ البيئةَ الشّيعيّةَ في لبنان تعيشُ نفقًا مُظلِمًا من التّعَبِ والدمارِ والضغطِ الاجتماعيّ والسياسيّ، وأنّ أيّ حربٍ جديدةٍ ستكونُ ضربةً قاصمةً لا يُمكنُ احتمالُها"، لافتًا إلى أن "رسالةُ السيِّد السّيستانيّ دعوةً لِلبنان إلى العودةِ إلى ذاتِهِ، إلى رسالتِهِ، وإلى شراكتِهِ في المعيَّة النموذجيَّة، وإلى حُرّيّتِهِ، وإلى هُويّتِهِ الحَضاريّةِ التي تتقدّمُ على كلِّ مشاريعِ العنفِ والوصايةِ والتّقويض. هي دعوةٌ تقولُ بوضوح: "إحمُوا المجتمعَ… ينهضِ الوطنُ. وإذا ضاعَ المجتمعُ، سيسقطُ كلُّ شيءٍ آخر. الدَّولة، وحدها الدَّولة، تحمي المجتمع تحت سقفِ الدّستور والشرعيتين العربيَّة والدَّوليَّة."

ويختم الصّائغ: "لبنان على موعِدٍ مع صانِع سلامٍ. يُطِلُّ على وطنِ الرِّسالة بِنَفَسٍ رجائيّ. يودُّ اقتِحامَ مسار قَتلِ الإنسان. يحكي لُغَة المحبَّة. يواجِهُ حتميَّة الصِّراع. يتطلَّعُ إلى الهويَّة الحضاريَّة في الحُريَّة، والأُخُوَّة، والتنوُّع، والعَدَالة، والمعيَّة. هكذا يرى أرض الأرز. على موعدٍ مع البياض نحنُ، في زَمَنٍ ما زالَ يستنقِعُ في كثيرٍ من سَوَاد. حانَ وَقتُ انتِفاضَةٍ من نوعٍ أخلاقيّ... وإلَّا!"