عودة الكهرباء جزئياً إلى المناطق: أوهام الساعات العشر

فوجىء اللبنانيون على مدى يومين بكهرباء ليست آتية عبر المولّدات الخاصة، ليتذكّروا أن هناك معامل تابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، قادرة على الإنتاج، ومحطات توزيع قادرة على إيصال الكهرباء إلى المنازل. على أن ما حظي به المشتركون، لم يدم طويلاً، وتفاوتت معدّلات التغذية بين المناطق، فحظيَ البعض بساعتين، والبعض الآخر بساعة واحدة، فيما لم يكد يحتفل آخرون، حتّى انقطعت الكهرباء بعد نحو 10 دقائق. والغريب، أنّ لا جوابَ رسمياً من كهرباء لبنان أو وزارة الطاقة، يفسّر هذه الأعجوبة. فما الذي حصل، وهل هناك المزيد؟

فيول عالق
تنتظر معامل الكهرباء وصول الشحنة الأخيرة من الفيول العراقي المنصوص عليها في اتفاقية توريد الفيول الموقّعة في أيلول من العام الماضي. ووصول الشحنّة المقدّرة بـ190 ألف طن، يفترض استتباعه بتحديد الإجراءات العملية لبدء تنفيذ النسخة الجديدة من الاتفاق المخصّص للعام التالي، وما تبقّى من العام الحالي. فضلاً عن انتظار توريد الـ600 ألف طن من الفيول الإيراني المنتظر.

لا شيء تحقَّق ممّا هو موعود. فالشحنة العراقية تأخّرت بسبب السجال حول نوعية الوقود، مع الشركة المتعهّدة استبداله بفيول صالح للمعامل اللبنانية. أما الفيول الإيراني، فلا أنباء رسمية سوى تلك المتعلّقة بقرب موعد تسليمه خلال نحو أسبوعين.

وإلى حين تحقيق أي انفراج، دخلت الكهرباء إلى المنازل كلصٍّ خائفٍ، واختفت. وتعيد مصادر في وزارة الطاقة سبب تلك الصحوة المفاجئة، إلى "رغبة المؤسسة والوزارة الإفراج عن كميات من الفيول كانت مخبَّأة. والسبب هو محاولة الإيحاء بقرب الانفراج الآتي عبر الفيول العراقي والإيراني، والإيفاء بالوعود التي أطلقوها حيال زيادة التغذية بنحو 4 ساعات".

وتشير المصادر في حديث لـ"المدن"، إلى أن "الفيول متوفّر في المعامل، لكنه بكميات قليلة، ولا يتم استخدامه بحجة الأكلاف، فزيادة الانتاج تنطوي على أكلاف تزيد عن كلفة الفيول وحده، إذ هناك أكلاف الصيانة والتنظيف وغير ذلك. والسبب الثاني هو التذرّع بعدم توفير الأمان لموظّفي محطات التوزيع. فالبعض لا يذهب إلى محطة طريق الجديدة بحجة الأمن، والبعض الآخر لا يذهب إلى المحطات في منطقة بعلبك للسبب عينه. فالأهالي يدخلون المحطات احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، ويحاولون تأمين الكهرباء لمناطقهم بالقوة، على غرار المناطق الأخرى، وهو أمر مُبَرَّر لأن بعض المناطق كانت تحظى بساعات تغذية تصل إلى 8 ساعات".

اليوم يقتصر توزيع الكهرباء على المؤسسات الرسمية والمراكز الحكومية "لكن لا أحد يستطيع ضمان حصر التوزيع وعدم إفادة مناطق على حساب أخرى". كما تلفت المصادر النظر إلى أن "استمرار انقطاع الكهرباء، يساعد اللصوص على سرقة المحطات والأسلاك والمحوّلات في المناطق".

استغلال الوقت
سارَعَ الاهالي لاستغلال الكهرباء شبه المجانية مقارنة مع أسعار المولّدات الخاصة، لكن لم يسعفهم الوقت لإنجاز الأعمال. والبعض لم ينتبه للفارق بين كهرباء الدولة وكهرباء المولّدات نظراً للتحويل السريع بين مصدريّ الكهرباء. وآخرون كانوا خارج منازلهم، ولم يستفيدوا من "العرض السريع".

إذاً، هي مساعٍ لتلطيف الأجواء باستخدام مخزون الفيول في المعامل. هي لطيفة كتطمينات الكويت والجزائر بالوقوف إلى جانب لبنان ومساعدته في الحصول على الفيول، لكن لم يلقَ وزير الطاقة وليد فيّاض من البلدين المذكورين أي خطوات إجرائية فعلية، على عكس تجديد الاتفاقية مع العراق وموافقة إيران على المساعدة. ومن العراق وإيران، سيحصل لبنان نظرياً على نحو 10 ساعات تغذية، مقسّمة بين 8 إلى 10 ساعات على مدى 5 أشهر بفعل ضخ الفيول العراقي والإيراني معاً، ليبقى بين نحو 3 إلى 4 ساعات سيؤمّنها الفيول العراقي وحده، إلاّ في حال قرّرت إيران رفد لبنان بالمزيد من الفيول بعد انتهاء المهلة. وعدد الساعات تلك، يجزم وزير الطاقة الحصول عليها. مع أن تجربة الفيول العراقي على مدى عام، لم تكن مشجّعة، إذ لم يحصل المواطنون على ما بين 3 إلى 4 ساعات.

لم تنجح كلٌّ من وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء في تلميع صورتيهما أمام الجمهور الذي أدرك سريعاً أن في الأمر خطبٌ، وأن فتات الكهرباء لا يستأهل أكثر من إطلاق مواقف فكاهية، كتلك التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يقول فيها أصحابها، أن المؤسسة والوزارة "يعتذران عن الخطأ الذي أدّى إلى تشغيل المعامل ووصول الكهرباء، وسيجري العمل على إعادة الوضع على ما كان عليه سابقاً". وعليه، لا كهرباء إضافية في اليومين المقبلين. والحل يبقى معلّقاً على المساعي والوعود.