المصدر: نداء الوطن
الكاتب: نوال برّو
الجمعة 6 حزيران 2025 06:51:21
في خطوة مُلهمة تستحق التعميم على كل بقعة في لبنان، اتخذت بلدية عاليه قراراً حاسماً لمكافحة رمي النفايات في الشوارع، فكل من سيشارك في تلويث الطرقات سيواجه غرامة مالية قدرها 100$. ويبدو أن هذه المبادرة قد بدأت تلقى صدى، فـبلدية بر الياس أصدرت قراراً بفرض غرامة مالية بحق من يقوم برمي النفايات خارج الحاويات، مع إضافة عقوبة "قاسية" و"فعالة" في آن واحد تتمثل بـ التشهير العلني عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالمخالفين.
هذا التشدد البيئي يأتي في وقت حرج للغاية، فلبنان يتصدر للأسف المرتبة الأولى عربياً في نسبة التلوث لعام 2025، وفقاً لتقرير نشرته Numbeo منذ أيام. لذا، تُعدّ هذه الخطوات محاولة جادة للتخفيف من تفاقم المخالفات البيئية وتحسين صورة لبنان الذي لا يستحق أن يكون مرتعاً للتلوث.
وبالغوص في التفاصيل، يشرح فادي شهيب، عضو بلدية عاليه، أن "قرار البلدية يهدف لتذكير الناس أن رمي النفايات عشوائياً هو مخالفة يعاقب عليها القانون بعد أن غاب هذا المفهوم عن ذهن كثيرين".
ويضيف أن "تعويد الناس على احترام البيئة ضروري، لأن المواطنة لا تقتصر على احترام العلم اللبناني فقط، بل تشمل احترام الطبيعة التي هي جزء من هويتنا اللبنانية".
ولأن "المواطن ما بنفذ القانون ليمدّ إيدو عجيبتو"، يؤكد شهيب أن "النتائج كانت إيجابية، حيث انخفضت نسبة النفايات المرمية في الشوارع والحدائق".
وعكس التوقعات، تنفيذ هذا القرار لم يكن صعباً على بلدية عاليه، وذلك بفضل وجود كاميرات مراقبة في معظم الشوارع، إضافة إلى تعاون الأهالي الذين يوثّقون المخالفات بكاميرات هواتفهم ويزودون البلدية بأرقام لوحات السيارات، وفقاً لشهيب.
في هذا الإطار، كثيرون يظنون أن الغرامات البيئية التي تفرضها البلدية هدفها سعي البلديات لتحقيق أرباح لكن الحقيقة ليست كذلك. ومن هنا يوضح شهيب أن "شرطة البلدية تحرر محاضر المخالفة عند ضبط أي شخص يرمي النفايات بطريقة غير قانونية، ثم تُحال هذه المحاضر إلى محكمة الجزاء في بعبدا، حيث يفرض القاضي الغرامة على المخالف".
ويضيف أن "الغرامة لا تدخل مباشرة إلى صندوق البلدية، بل تُحوّل أولاً إلى الخزينة اللبنانية، ومن ثم يتم تحويل حصة البلدية منها لاحقاً".
ويشدد شهيب على أن "الغرامات التي تُفرض ليست قصاصاً بل أداة تنظيمية تهدف لحماية المدينة"، معرباً عن تفهمه للظروف الاقتصادية الصعبة ومشيراً في الوقت نفسه إلى أن "البلدية أيضاً تعاني من ضعف الموارد وقلة عدد العمال، ومع ذلك تحاول أن تصنع فرقاً وتحافظ على رونق عاليه".
هذه الخطوة "الجريئة" ليست سوى البداية بالنسبة لبلدية عاليه، التي تخطط لاستكمال خطة حماية البيئة وصحة المواطن. إذ تسعى البلدية إلى تنفيذ سلسلة إجراءات بيئية، منها ملاحقة المركبات الملوِّثة ومصادرة الآليات المخالفة وإلزام أصحابها بتعهّدات. وتشمل الخطة أيضاً ضبط ظاهرة "التشفيط"، التفتيش على المطاعم، ومراقبة عمال الدليفري لضمان التزامهم بمعايير السلامة والنظافة.
الأكيد أنه لا يمكن فصل الواقع البيئي المتدهور عن مسار الإنقاذ الوطني، ويقول شهيب في هذا السياق إن: "لبنان بحاجة ماسة لعودة السائح والمغترب من أجل تدفّق العملات الأجنبية وتحريك العجلة الاقتصادية، وهذا لن يتحقق من دون تحسين النظافة والترتيب العام للمدن"ً محذّرا من أنه: "إذا تكدّست النفايات في الشوارع، فنحن عملياً نودّع السياحة، وهذا ما لا نحتمله".
إذاً وسط التحديات البيئية والصحية التي يواجهها لبنان، تسعى بلدية عاليه إلى تحويل مدينتها إلى نموذج يُحتذى به على مستوى النظافة والالتزام بالقانون، على أمل أن تكرّ السبحة وتعمّم هذه الإجراءات الضرورية وغيرها على باقي المناطق.