المصدر: إرم نيوز
الكاتب: محمد حامد
الثلاثاء 9 كانون الاول 2025 12:04:49
أكد خبراء سياسيون واقتصاديون، أن عملية إعادة الإعمار في لبنان، هي المسار الوحيد القادر على امتصاص الغضب وإعادة تشكيل الثقة بين المواطن والدولة، موضحين أن تجاهل هذه الحاجة الملحة لعشرات الآلاف من الأسر اللبنانية لاسيما من أهل الجنوب، سيفتح الباب أمام انفجار اجتماعي عابر للطوائف والقوى، وقد يبدّل قواعد اللعبة على الجميع، بما فيهم حزب الله.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن نقطة الانطلاق لإعادة الإعمار تكون بتسليم سلاح حزب الله، وهو أمر لا يزال بعيد التنفيذ في ظل إصرار الميليشيا اللبنانية على عدم القيام بذلك، في ظل وجود ضحيتين لهذه الترسانة، الأولى تتمثل في النازحين الذين تهجروا من بلداتهم ومناطقهم بعد تدمير منازلهم بعد أن دفع لبنان من خلال قيادات الضاحية الجنوبية بأوامر إيرانية، إلى حرب مع إسرائيل، والضحية الثانية هي الاقتصاد الذي لا يتمكن من النهوض لاسيما أن المناطق المدمرة في الجنوب كانت تشكل جزءاً كبيراً من مساحة المال والأعمال التجارية والزراعية وما شابه في لبنان.
قسوة الشتاء الثاني
وتهجّر أكثر من 100 ألف شخص من منازلهم بالجنوب، وقطاع كبير منهم من البيئة الحاضنة لحزب الله الذي لا يملك التمويل القادر على مساعدتهم على الأقل في استئجار البيوت مع حلول قسوة الشتاء الثاني بعد الحرب الماضية، لتقف الدولة عاجزة لاسيما بعد أن شهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية اندلعت منذ 6 سنوات في ظل غياب أي استثمار أجنبي لعدم وجود الأمن والاستقرار، في وقت يكون فيه الرهان على الاستثمارات الأجنبية والتي ستتبعها مساعدات عربية ودولية لإعادة الإعمار الذي تفوق كلفته بحسب التقديرات، 5 مليارات دولار.
وترى الباحثة اللبنانية المتخصصة في التواصل السياسي، نسرين علي ميتا، أن وطنها يقف اليوم أمام مفترق طرق يتجسّد في المعادلة التالية، إما الشروع في إعادة الإعمار بوصفها فعل إنقاذ وطني، أو الانزلاق نحو انفجار اجتماعي يختزن كل تراكمات الانهيار.
وبينت ميتا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذا التوتر لا يربك الدولة فحسب، بل يضع حزب الله في قلب التحدي؛ لأنه لم يعد ممكنا الفصل بين حسابات الداخل والاشتباكات الإقليمية، في وقت يقترب فيه المشهد الاجتماعي من نقطة الغليان، حيث أذابت سنوات من التدهور الاقتصادي قدرة الناس على الاحتمال، فيما تتراجع مؤسسات الدولة إلى حدود العجز الكامل، وكل يوم يمر بلا خطة إنقاذ، يخلق فراغًا تتوسع فيه الفوضى ويُصبح الشارع اللاعب الوحيد القادر على فرض إيقاعه.
إرباك حزب الله
وأشارت ميتا إلى أن إرباك حزب الله ينبع من توازن دقيق بين ضرورات حماية بيئته التي تنهكها الأزمات، ومتطلبات دوره الإقليمي الذي يستهلك جزءا كبيرا من موارده وقراراته، في ظل إدراكه أن أي انفجار اجتماعي لن يبقى في نطاق الخصوم، بل سيضرب البنية الداخلية التي يستند إليها؛ ما يفرض عليه مقاربة جديدة للملف الاقتصادي، لا يمكن تأجيلها.
وترفض ميتا مقاربة مشهد الانهيار بمعزل عن الدور الذي أدّاه حزب الله وجعله جزءا من أسباب الأزمة الاقتصادية، حيث إن سياسة الانخراط في الصراعات الإقليمية، وتوسيع دائرة النفوذ العسكري خارج الحدود، واحتفاظه بقرار استراتيجي مستقل عن الدولة، أسهمت في تعميق عزلة لبنان دوليا، وتوتير علاقاته مع دول كانت تشكّل رئة أساسية للاقتصاد اللبناني.
دولة مفككة الجسم
وتوضح ميتا أن هذا المسار ترافق مع تعطيل طويل لفرص الإصلاح، وضغوط انعكست مباشرة على تدفق الاستثمارات والمساعدات؛ ما جعل الاقتصاد يدفع ثمن خيارات سياسية لا قدرة للدولة على حملها. ومع دخول البلد في الانهيار، تداخلت هذه العوامل مع التدهور الاجتماعي، ليصبح حزب الله نفسه جزءا من المشكلة التي بات مضطرا اليوم للمشاركة في حلّها؛ لأن استمرار الأزمة يهدد تماسك الداخل ويفتح الباب أمام سيناريوهات يصعب التحكم بها في ظل الظروف الإقليمية الراهنة.
وتؤكد ميتا أنه في مقابل ذلك، تظهر الدولة كجسم مفكك، عاجز عن تحويل الحديث عن إعادة الإعمار إلى مشروع فعلي، ما بين الانقسامات وتضارب المصالح، بجانب غياب القرار الموحد الذي يُفرغ أي مبادرة من مضمونها، فيما يشترط المجتمع الدولي إصلاحات جدّية قبل ضخ أي دعم حتى بات التعطيل الداخلي بخطورة الضغوط الخارجية، وذلك بالتزامن مع ما تمر به المنطقة من مرحلة إعادة رسم نفوذ، من غزة إلى الجنوب اللبناني، مرورا بالتفاهمات الأمريكية–الإيرانية المتقلّبة، ومساعي بعض الدول لفرض ترتيبات أمنية جديدة، ليصبح الاستقرار في لبنان ورقة إقليمية، لا قرارا داخليا محضا؛ ما يعني أن أي انفجار اجتماعي لن يُقرأ كاحتجاج معيشي فحسب، بل كفراغ قد يُستثمر إقليميا؛ ما يرفع مستوى القلق لدى مختلف القوى.
وخلصت ميتا أنه في ضوء هذا المشهد، لا تبدو إعادة الإعمار مجرد ورشة بنى تحتية، بل تبدو أيضا خيارا سياسيا يمنع السقوط في الفراغ، فهي المسار الوحيد القادر على امتصاص الغضب وإعادة تشكيل الثقة بين المواطن والدولة، أمّا تجاهل هذا المسار، فيفتح الباب أمام انفجار اجتماعي عابر للطوائف والقوى، وقد يبدّل قواعد اللعبة على الجميع، بما فيهم حزب الله.
4 أطراف متحكمة في إعادة الإعمار
وبدوره، يقول الباحث الاقتصادي باسل الخطيب، إن ملف إعادة الإعمار في لبنان على ارتباط وثيق بـ 4 عناصر أو أطراف: الأول الدولة التي أعلنت أمام المجتمع الدولي التزامها بخطة سحب السلاح وحصره في يد مؤسساتها، أما الطرف الثاني حزب الله الذي يرفض تسليم سلاحه.
ويكون الطرف الثالث، بحسب الخطيب في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إسرائيل التي تعتبر أن الدولة اللبنانية لا تقوم بواجباتها لسحب سلاح الحزب وأن الأخير لا يريد تنفيذ هذا القرار وهي لذلك تقصف وتهدد بتوسيع الحرب على لبنان، أما الطرف الرابع، فهي جهات التمويل الدولية التي ترفض تقديم أي مساعدة أو تمويل أو دعم لإعادة إعمار المناطق المتضررة في لبنان، حتى تتأكد من جدية الدولة في التزاماتها، بتطبيق خطة سحب سلاح الحزب.
ضحايا ترسانة حزب الله
واستكمل الخطيب بالقول إن نقطة الانطلاق لإعادة الإعمار تكون بتسليم سلاح حزب الله ، وهو أمر لا يزال بعيد التنفيذ ومستعصياً بسبب تشابك الآراء و إصرار التنظيم على عدم تسليم سلاحه، لافتا إلى أن الضحية الأولى في هذا المشهد هي المواطنون النازحون الذين تهجروا من بلداتهم ومناطقهم بعد تدمير منازلهم وعدم التمكن من إعادة إعمارها، بالإضافة من قصفت مؤسساتهم وباتوا دون عمل، وهنا تظهر الضحية الثانية وهي الاقتصاد الذي لا يتمكن من النهوض خصوصا أن هذه المناطق كانت تشكل جزءا كبيرا من مساحة المال والأعمال التجارية والزراعية وما شابه.
وبين الخطيب أن هناك أكثر من 100 ألف شخص هجّروا من منازلهم ومازالوا، ولا يوجد تمويل يذكر من قبل حزب الله للمساعدة في استئجار البيوت حيث إن المخصصات المالية ضئيلة والدولة عاجزة لاسيما بعد أن شهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية اندلعت منذ 6 سنوات في ظل غياب لأي استثمار أجنبي لعدم وجود الأمن والاستقرار، مشيرا إلى أن لبنان ينتظر استثمارات أجنبية ومساعدات لإعادة الإعمار للنهوض باقتصاده.
وتابع الخطيب أن كل هذه الأمور العالقة تضغط على الدولة العاجزة حالياً وعلى حزب الله الذي بات مرتبكا أمام بيئته التي تهجرت، ومع ذلك لا يبادر إلى إيجاد حل عبر تسليم سلاحه بسبب قلقه من تشوه صورته أمام جمهوره واعتقاده أن سلاحه هو الذي يحمي الجنوب، وبالتالي هذا المشهد يربكه ويؤثر عليه سلبا أمامهم في حين تواصل إسرائيل استهدافه هو وقياداته.
إعمار بأكثر من 5 مليار دولار
وتحدث الخطيب عن أن كلفة إعادة الإعمار تفوق الـ5 مليارات دولار في ظل أكثر من 100 ألف مواطن نازح داخل لبنان، في ظل حالة جعلت كل الأمور في الدولة ومستقبلها مرتبطين ببند سحب سلاح حزب الله العالق حالياً، بداية من الإصلاحات والمساعدات والتمويل لإعادة الإعمار والاستثمارات الأجنبية حتى السياحة تتأثر بالضربات والاستهدافات التي تقوم بها إسرائيل بشكل يومي على مناطق لبنانية.
واستطرد أن الضغوط لم تستثنِ اصحاب المؤسسات والمهن الحرة والمزارعين الذين خسروا محصولهم من الزيتون ومنتجات الزيوت والعسل مرورا بالثمار من حمضيات وخضار، فهم لم يتمكنوا من قطف الزيتون لموسمين وغيره وغيره من المحاصيل، وكل هذه المشاكل الاقتصادية، تزيد من حدة الفقر في لبنان وتتسبب بأزمة اجتماعية تلقي بظلالها على المجتمع من الجنوب إلى الشمال في أرجاء الدولة كافة.