فاغنر.. هل تصبح أكثر شراسة بعد تأكيد مقتل "طباخ الرئيس"؟

مع التأكيد الروسي الرسمي، الأحد، على مقتل زعيم مجموعة "فاغنر" العسكرية الخاصة، يفغيني بريغوجين، في واقعة تحطم طائرة ركاب خاصة كانت تقله مع المقربين من قادة هؤلاءالمرتزقة، عادت التصريحات التي أدلى بها، الخميس، رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيتسكي، إلى الواجهة، والتي قال فيها إن فاغنر "ستصبح أشد خطورة وشراسة تحت الإشراف المباشر لقاطن قصر الكرملين، الرئيس فلاديمير بوتين". 

وكانت لجنة التحقيق الروسية قد ذكرت،  الأحد، أن نتائج الاختبارات الجينية "أكدت" هويات الأشخاص الـ10 الذين لقوا حتفهم في حادث تحطم الطائرة، الأربعاء، وأن من بينهم مؤسس "فاغنر"، بريغوجين.

وأشارت لجنة التحقيق الروسية، إلى أن هويات الأشخاص الـ10 "تتطابق مع الأسماء الموجودة في قائمة ركاب الرحلة".

وكانت اللجنة قد أعلنت، الجمعة، العثور على جثث الضحايا، إضافة إلى الصندوقين الأسودين للطائرة.

وقالت على تليغرام: "تم العثور على جثث القتلى الـ10 في مكان حادث (تحطم) الطائرة. يتم إجراء فحوص جينية لتحديد هويتهم. ضبط المحققون مسجلي الرحلة ويتم إجراء معاينة دقيقة للمكان".

وقبل ذلك صرح مورافيتسكي أنه "يتوقع أن تشكل مجموعة فاغنر الآن، تهديداً أكبر، إذ ستصبح تحت سيطرة بوتين، بعد افتراض وفاة مؤسسها".

وقال في مؤتمر صحفي: "مجموعة فاغنر أضحت أكثر خطورة قيادة بوتين. لندع الجميع يجيبون على السؤال بأنفسهم - هل سيكون الخطر أكبر أم أقل؟".

"مخططات لموسكو.. ووضع غامض"

وفي اتصال هاتفي لموقع "الحرة" مع المحلل السياسي الروسي، أندريه إنتيكوف، أكد الأخير أن "الأوضاع لا تزال غامضة" بالنسبة لمجموعة فاغنر، وأن "الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة على العديد من الأسئلة".

وفيما إذا كان بوتين سيشرف بشكل شخصي على تلك المجموعة، كما توقع رئيس وزارء بولندا في وقت سابق، أجاب: "لا أعتقد أن بوتين سيقدم على هذا الأمر، والحقيقة أن الجماعة حاليا أمام خيارين، إما أن تبقى شركة خاصة يتولى إدراتها أحد قادتها خلفا لبريغوجين أو أن تصبح خاضعة لوزارة الدفاع (الروسية) بشكل مباشر".

واعتبر إنتيكوف أن  مجموعة فاغنر "لا يزال لديها برامج ومخططات مهمة لموسكو في القارة الأفريقية، ستسعى للحفاظ عليها والدفاع عنها".

من جانبه، رأى المحلل والباحث المصري، رمضان قرني، المتخصص في الشؤون الأفريقية، في حديث إلى موقع "الحرة"، أن "خطاب الدولة الروسية بعد محاولة التمرد الفاشلة التي جرت في أواخر يونيو الماضي، كشف عن سعي موسكو لفرض سيطرتها بشكل مباشر  على تلك المجموعة، مما يتنافى مع التصريحات السابقة لبوتين وغيره من المسؤولين الروس، بأن فاغنر هي مجرد مؤسسة عسكرية خاصة لا تخضع لسيطرة الحكومة".

وفيما يتعلق بـ"السناريو الأقرب"، قال إنتيكوف: "أن يتولى رئاسة المجموعة أحد قادتها الذين لا يزالون على قيد الحياة، ومن الذين يحظون بثقة عناصر فاغنر وثقة الرئيس الروسي في نفس الوقت".

وفي نفس السياق، قال الباحث والأكاديمي، خليل عزيمة، في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة": "بوتين في حال استطاع تعيين قائد جديد، فإنني أتفق مع تصريحات رئيس وزراء بولندا، بأن خطرها (فاغنر) سيكون أشد بشكل عام".

وتابع: "هذه المجموعة ستشكل ورقة ضغط كبيرة على دول الاتحاد الأوروبي من جهة بيلاروس، وعلى الدول الأفريقية، وبالتالي فإن الخطر سيكون أكبر، من خلال العمليات التي يمكن أن تشنها في شكل هجمات ذئاب منفرة أو عن طريق مجموعات".

وقبل تحطم الطائرة التي أودت بحياة زعيم مجموعة "فاغنر"، ذكر تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن روسيا "كانت تخطط بالفعل لمستقبل هؤلاء المرتزقة في مرحلة ما بعد بريغوجين".

وذكرت الصحيفة أن "الكرملين ومرتزقة فاغنر والمجموعات العسكرية الخاصة، يتنافسون من أجل السيطرة على إمبراطورية عالمية مربحة، لكنها غامضة".

ونصب بريغوجين نفسه على أنه "زعيم فاغنر الذي لا يمكن استبداله، وسط شبكة معقدة من المرتزقة، وشركات التعدين، والمستشارين السياسيين، ونشطاء التضليل"، بحسب الصحيفة ذاتها. 

كما بنى علاقات مع حكومات أفريقية، مما سمح لمجموعة المرتزقة بـ"خدمة مصالح موسكو في جميع أنحاء القارة، وغالبا ما يكون ذلك تحت تهديد السلاح".

وقال الصحفي الروسي الذي قدم تقارير عن "فاغنر" على مدى العقد الماضي، دينيس كوروتكوف: "هناك بعض الأشخاص الأكفاء الذين يرغبون في الدخول على الخط وكسب ميزانياتها (فاغنر)، لكن لا توجد شخصية مثل بريغوجين، لديها تدفق هائل من المال، أو كفاءة وحماس مماثلين".

ومع ذلك، ظهرت إحدى الشخصيات الرفيعة في "فاغنر"، كمنافس محتمل لبريغوجين قبل تحطم الطائرة.

ويُعتقد أن أندريه تروشيف، وهو مقدم سابق في وزارة الشؤون الداخلية الروسية، كان "جهة الاتصال الرئيسية بين بريغوجين ووزارة الدفاع"، خلال الحرب في أوكرانيا. 

وكانت "فاغنر" تقاتل مع الجيش الروسي في حرب أوكرانيا، لا سيما في باخموت، المدينة التي كانت مسرحا لأعنف المعارك الدائرة شرقي البلاد.

وبحسب "واشنطن بوست"، فإن تروشيف يعد أحد الشخصيات العامة القليلة في "فاغنر"، التي "لم تكن مدرجة في قائمة ركاب الطائرة" التي سقطت شمال غربي موسكو، الأربعاء، وأدوت بحياة بريغوجين.

"نهج مؤسسي"

وعن دور  فاغنر في القارة الأفريقية بعد رحيل "طباخ الرئيس"، قال قرني: "إن تواجد تلك المجموعة في غرب القارة السمراء، خاصة في النيجر، سيؤلب الرأي العام في تلك المنطقة ضد روسيا بشكل أو بآخر، لاسيما أن هناك ميولا واضحة لرفض التواجد الفرنسي والغربي بشكل عام".

وتابع: "وعليه لن يكون من المقبول استبدال ذلك التواجد بتواجد روسي، وإذا كانت هناك تظاهرات قد خرجت مؤيدة لموسكو، فإن هذا بحسب رأيي، يدخل في باب النكاية بالسياسة الفرنسية بطريقة أو بأخرى".

كما رأى المحلل المصري أن "مستقبل تلك الميليشيات (فاغنر) في ضوء التطورات المؤسسية التي تسعى إليها موسكو (ضم فاغنر رسميا ضمن مؤسسات الدولة)، سيتعزز في جمهورية أفريقيا الوسطى بوجود نظام الرئيس فوستان آرشانج تواديرا، حيث أن الأخير كان من أوائل الذين علقوا على وفاة بريغوجين".

وأشار إلى أن النقطة الثانية تتعلق بالسودان، موضحا: "المرحلة الأخيرة شهدت انتصارات واضحة للجيش السوداني على حساب قوات الدعم السريع، وفي حال استمر الحال على نفس المنوال، فمن المتوقع أن يتراجع دور فاغنر  في ذلك البلد العربي الأفريقي، وبالتالي فإن مشروع موسكو بشأن بناء قاعدة بحرية عسكرية في ميناء بورتسودان قد يتأجل إلى أجل غير مسمى".

وفيما يتعلق بمنطقة غرب أفريقيا، أضاف قرني: "هذا الأهم من وجهة نظري، إذ أن سياسة بوتين التي انتهجها مؤخرا تتضمن إعادة التموضع، حيث كان التركيز على منطقة الوسط والجنوب الأفريقي قبل أن يتحول إلى غرب القارة".

واستطرد: "في ضوء السمعة السيئة التي أحاطت بفاغنر، لاسيما في مالي، يرجح بشكل كبيرة حرص روسيا على اتباع النهج المؤسسي وإدماج دورها في منطقة غرب أفريقيا، خاصة في الدول التي شهدت انقلابات عسكرية من خلال أن يكون عمل فاغنر عبر المؤسسة العسكرية الروسية الرسمية".

وأردف: "أتصور أن حديث بوتين خلال القمة الأفريقية الروسية التي عقدت مؤخرا في سان بطبرسغ، عن تفعيل أدوات القوة الناعمة لموسكو مع القارة السمراء، سيكون مدخلا مهما، من خلال تكريس دور الجامعات ومراكز الثقافة واللغة والفنون، وبالتالي من المرجح دمج عمل مجموعة فاغنر داخل المؤسسات الروسية الرسمية، حتى لا يتم تأليب الرأي العام الأفريقي على الكرملين".

فاغنر في أوكرانيا وسوريا

وبالانتقال إلى أوكرانيا، قال عزيمة: "دعنا ننوه في البداية بأن دور فاغنر في الحرب على أوكرانيا توقف بشكل كبير عقب محاولة التمرد الفاشلة لزعميها القتيل، وذلك نظرا لأن عدد أفراد الميلشيات الذين بقوا في روسيا لا يتجاوز 7 آلاف شخص من الذين وقعوا عقودا مع وزارة الدفاع الروسية".

وتابع: "لكن الأهم من ذلك هو أن حوالي 15 ألف مسلح من فاغنر انتقل إلى بيلاروس، مما يشكل تهديدا مباشرا لدول الجوار، سواء من حيث تدريب الجيش البيلاروسي، أو تشيكل ذئاب منفردة تنفذ عمليات تخريبية، لاسيما عند حدود بولندا".

وأضاف: "تلك المجموعات بإمكانها القيام بعمليات إرهابية على الحدود، أو المساهمة في إغراق بولندا بموجات كبيرة من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، كما حدث قبل أكثر من عام، مما سيشكل تحديا كبيرا للاتحاد الأوروبي".

وأشار عزيمة إلى أنه "في حال سيطر بوتين بشكل كاملة على تلك المجموعة من المرتزقة، فإنها ستزداد شراسة"، مردفا: "إذا استمرت فاغنر في الوجود، فإن الرئيس الروسي سيعين قائدا مخلصا له يتبع تعليماته".

واعتبر أن تعيين زعيم جديد "سيكون ورقة ضغط كبيرة على أوروبا ومصالحها في القارة الأفريقية، أملا في أن يؤدي ذلك إلى التقليل من العزلة الدولية لروسيا والتفاوض معها".

واستطرد: "جرى تشكيل نحو 10 مؤسسات عسكرية على غرار فاغنر، وبالتالي يمكن أن تندمج مع فاغنر تحت نفس المسمى أو اسم جديد، لتوظيفها في الشأن الخارجي، خاصة بعد تصريحات بريغوجين قبل مصرعه، بأن عملهم سيتركز أكثر في القارة الأفريقية".

وعلى الصعيد السوري، قال المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، لموقع "الحرة": "بقرار من بوتين، وبعد زيارة لنائب وزير الدفاع الروسي إلى دمشق منذ حوالي يومين، التقى فيها رئيس النظام السوري بشار الأسد، وبعدها  التقى مع (قائد الجيش الوطني الليبي خليفة ) حفتر، فقد جرى إبلاغ القيادات في دمشق وبنغازي بأن فاغنر سيتم سحبها من سوريا وليبيا".

وتابع: "ما ذكرته سابقا معلومات مؤكدة وليس تحليلا، وأعتقد أن قوات روسية خاصة قد تملأ الفراغ الذي سيتركه مرتزقة فاغنر في المستقبل".