فرنسا بين ضغوط واشنطن والرياض: ما الذي يحمله لودريان؟

إلى لبنان، يفترض أن يصل الأسبوع المقبل المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان، استناداً إلى الاتصال الذي جرى قبل أيام بين الرئيس جوزاف عون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتقرر فيه تقديم موعد الزيارة إلى أوائل أيلول بدلاً من نهايته. ومهمة لودريان هي التحضير لمؤتمرين أساسيين: الأول يتعلق بإعادة إعمار لبنان، والثاني بدعم الجيش اللبناني، فضلاً عن متابعة ملف قوات اليونيفيل بعد إقرار التمديد لها، والاطلاع على ملف حصر السلاح بيد الدولة.

بذلت فرنسا جهوداً كبيرة لضمان التمديد لقوات حفظ السلام واستمرار عملها في جنوب لبنان، في مقابل الموقف الأميركي المتقاطع مع إسرائيل، والذي سعى إلى تعطيل مهمة اليونيفيل بحجة أن وجودها لم يعد ضرورياً، واقترح أن يكون التمديد لمرة واحدة وأخيرة لا تتجاوز ستة أشهر. وقد وقفت فرنسا إلى جانب لبنان في الأمم المتحدة، وتولت الاتصالات الدبلوماسية لضمان بقاء هذه القوات وتأمين سلامتها، خصوصاً أن العناصر الفرنسية تشكل القوة الأكبر في عديدها. وتعتبر باريس أن التمديد لفترة عام وأربعة أشهر يُسجَّل كإنجاز لدبلوماسيتها. وتؤكد مصادر دبلوماسية فرنسية أن الأهم من التمديد كان تثبيت مهام اليونيفيل من دون تعديل، بحيث تستمر في أداء دورها لعام كامل، على أن تبدأ بعدها التحضير لانسحاب تدريجي، لتخلفها قوات أو مجموعات دولية أخرى تعوّض غيابها، بعدما أثبتت تجربتها إيجابيات متعددة لم تقتصر على الجانب الأمني.

فرنسا، التي زار رئيسها لبنان عقب انتخابات رئاسة الجمهورية، ترسل مبعوثها الخاص لمتابعة مسار دعم الدولة اللبنانية وتثبيت حضورها، بما يشمل الملفات السياسية والاقتصادية والتشريعية. وهي إذ تثني على قرار مجلس الوزراء المتعلق بحصرية السلاح بيد الدولة، ترى ضرورة البحث مع الولايات المتحدة في آليات التنفيذ، بما يراعي خصوصية الواقع اللبناني الداخلي ويحافظ على الاستقرار.

قلق فرنسا واضح حيال وضع لبنان المنفتح على مختلف الاحتمالات، في ظل ضبابية المشهدين الإقليمي والدولي وتزايد الضغوط. وهي تعتبر أن المرحلة الراهنة تستدعي مقاربات دقيقة وحذرة. فكلما حاولت باريس الوقوف إلى جانب لبنان، اصطدمت جهودها بعقبات ترتبط بموازين القوى الخارجية. واليوم يشهد لبنان حضوراً أميركياً يعكس الضغوط الإسرائيلية المستمرة سياسياً وعسكرياً، فيما يضيق الهامش الفرنسي مع دخول المملكة العربية السعودية بثقلها لتضاهي، ولو عن بُعد، النفوذ الأميركي.

 

تأثير متواضع مقارنة مع تأثير الدول الأخرى

وفي الداخل، يتركز النقاش حول انعكاس الحضور السعودي على الحكومة، حيث يتمسك رئيسها نواف سلام بإقرار خطة الجيش لحصرية السلاح بيد الدولة وسحب سلاح حزب الله مهما كانت النتائج. والضغوط نفسها مورست في الجلسات الحكومية الأخيرة، ما دفع نائب رئيس الحكومة طارق متري إلى إيضاح موقفه من الورقة الأميركية والتراجع عن اعتبارها ساقطة. واليوم يتكرر السيناريو نفسه، إذ تعهّد رئيس الجمهورية جوزاف عون لرئيس مجلس النواب نبيه بري بتسيير جلسة الحكومة من دون عقبات، شرط حضور وزراء الثنائي إلى بعبدا. في المقابل، يرفض سلام إدراج بنود إضافية على جدول الأعمال إلى جانب خطة الجيش، مصراً على أن ينال النقاش حقه الكامل. فيما يعمل الثنائي على توحيد موقفه، وقد أبلغ وزراءه أن قرار الانسحاب يجب أن يسري على الجميع، بما في ذلك وزير المالية ياسين جابر، الذي كان أبرز المتغيبين عن الجلستين السابقتين.

تتابع فرنسا التطورات عبر سفيرها في بيروت هيرفيه ماغرو، فيما تتجه الأنظار إلى جلسة الحكومة المقبلة المفترض عقدها يوم الجمعة إذا توافر التوافق. وفي موازاة ذلك، تعمل باريس على التحضير لمؤتمر لدعم الجيش وآخر لدعم الدولة، لكنها تصطدم مرة جديدة بشروط بعض الدول المانحة، التي تشترط حصرية السلاح بيد الدولة وإقصاء حزب الله عن الحياة السياسية والنيابية في مرحلة لاحقة. وبينما تحافظ فرنسا على علاقات متوازنة مع مختلف الأفرقاء، بمن فيهم حزب الله، فإن دولاً أخرى تدفع نحو تضييق الخناق على الحزب مهما كانت النتائج، ما يكشف تبايناً في المقاربات بين باريس وهذه القوى المؤثرة. وفي المحصلة، هو خلاف بين دولة تسعى إلى دعم رئيس ماروني وأخرى تعمل على تعزيز موقع رئيس حكومة سني لتعويض غيابها السابق.

إنها معضلة وتشابك مصالح يربك الدور الفرنسي المثقل أصلاً بانشغالاته الداخلية، غير أن باريس ترى أن من واجبها الاستمرار في السعي. وحضور لودريان يؤكد هذا الدور، خصوصاً أنها كانت قد دفعت بقوة باتجاه ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وبين لبنان وإسرائيل، ولا تزال تطمح إلى دور أكبر، سواء عبر مشاركتها في لجنة وقف إطلاق النار أو في اجتماعات الخماسية. غير أن الغلبة في النهاية تبقى للقوى الأكثر تأثيراً. أما لبنان، فيتنفس الصعداء مع كل مبادرة فرنسية، إذ تبقى باريس بالنسبة إليه ملاذاً في مواجهة الضغوط المتزايدة.

ويبقى السؤال: ما الذي سيحمله لودريان هذه المرة؟ وهل تُحدِث زيارته صدمة إيجابية أو مبادرة جديدة؟ المطلعون على وضع فرنسا الحالي ينصحون بعدم رفع سقف التوقعات، غير أن مجرد الزيارة يُعدّ بحد ذاته مؤشراً إيجابياً، أقله من دولة تصر على دعم لبنان وتتمسك برؤيتها له كبلد غني بتنوعه ولا يجد حرجاً قي زيارة حارة حريك والاجتماع مع رئيس كلتة حزب الله النيابية.