المصدر: أساس ميديا
الكاتب: وليد شقير
الثلاثاء 16 كانون الاول 2025 08:16:22
لا تأبه القيادة الإيرانيّة لتداعيات فرض تشدّدها على “الحزب” في مسألة سحب سلاحه، سواء على بنيته التنظيميّة أو على بيئته الحاضنة. فتمسّك طهران بالإبقاء على هذا السلاح كورقة تفاوضيّة في مواجهتها مع الولايات المتّحدة، يُسقط أيّ رهان لبنانيّ على إمكان أن تسهم مرونة إيرانيّة محتملة في نزع الذرائع التي تستخدمها إسرائيل للتلويح بتصعيد عسكريّ ضدّ لبنان. ففي ظلّ التصميم الأميركيّ – الإسرائيليّ على تقليص نفوذ إيران في الدول التي رسّخته فيها، بات لبنان الساحة الأكثر ملاءمة لطهران لاستخدامها في مواجهة الضغوط الغربيّة والحصار المفروض عليها.
يغلب الاضطراب والتوتّر على مواقف طهران حيال لبنان. في اليوم نفسه الذي يعلن مسؤول في الخارجيّة الإيرانيّة بأنّ بلاده لا تتدخّل في شؤون لبنان، يجاهر مستشار المرشد الدكتور علي ولايتي بمواصلة دعم “الحزب” بسبب موقعه الاستراتيجيّ بمواجهة الصهيونيّة.
يدفع ذلك المسؤولين اللبنانيّين إلى المراهنة على تفهّم أميركا، لعلّها تضغط على رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو كي يؤخّر أيّ عمليّة عسكريّة تستهدف “الحزب” والبلد.
طهران تعزّز حجج تل أبيب؟
تُسهم مواقف طهران في تعزيز حجّة تل أبيب القائلة إنّ “الحرس الثوريّ” يواصل إعادة تأهيل “الحزب” عسكريّاً، ولن تسمح إسرائيل باستمرار هذا المسار. وفي مقابل هذا التوجّه الذي يدفع لبنان نحو خيارات انتحاريّة، ثمّة قراءة تتجاوز الشعارات المرفوعة، وتكشف واقع اضطرار “الحزب” إلى تبنّيها، التزاماً بقرارات المرجعيّة العليا التي تحكم خياراته.
نجحت الدولة اللبنانيّة في إقناع الدبلوماسيّة الأميركيّة بأنّ السلطة الجديدة تقوم بما عليها في مسار سحب سلاح “الحزب”، بدءاً من جنوب الليطاني، إلى حدّ أنّ واشنطن باتت تكتفي بصدور موقف علنيّ من قيادة “الحزب” يُبدي استعداداً لمواصلة هذه الخطوات شمال الليطاني لمحاولة إقناع إسرائيل بتنفيذ بعض المطالب اللبنانيّة، مثل الانسحاب من إحدى التلال التي لا تزال تحتلّها. غير أنّ هذا المسار يصطدم في كلّ مرّة برفض يصدر عن الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم، وغالباً ما يتزامن تمسّكه بالسلاح أو يسبقه أو يلحقه موقف مماثل صادر عن طهران، على الرغم من إعلانها المتكرّر عدم التدخّل في شؤون “الحزب”.
الفصامٌ وولاية القضية..
يقول دبلوماسيّ عربيّ لـ”أساس”، في قراءته لتشدّد “الحزب”، إنّ في قيادته بعض العقول الحامية التي تريد مواجهة جديدة مع إسرائيل لاستعادة “الكرامة” بعد الهزيمة التي طالته في حرب الأسابيع الأربعة من صيف 2024. لم يَشفَ رموز هذا التوجّه من أعراض الأوهام التي أمْلَت الحسابات الخاطئة لحرب إسناد غزّة، ولم تمكّنهم العقيدة القتاليّة المبنيّة على الإطاعة الدينيّة للوليّ الفقيه من تجاوز مفاعيل الخسائر الضخمة التي مُني بها “الحزب” باغتيال قادته، وتدمير جزء كبير من ترسانته العسكريّة، وكارثة دمار المساكن وتهجير بيئته الحاضنة وإمعان إسرائيل في إذلالها بمواصلة ضرباتها بعد اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة في 27 تشرين الثاني 2024.
لكنّ الدبلوماسيّ نفسه يعتقد أنّ طهران غير قادرة على “إسناد” “الحزب” في حال تجدُّد الحرب عليه وعلى لبنان، بعد الضربات التي تلقّتها في حزيران الماضي. على الرغم من ذلك، لا ينفي هذا أنّ هذا التوجّه عند بعض قيادة “الحزب” هو انعكاس لأصل المشكلة: وجود أصحاب عقول حامية في طهران. وهذا ما يفسّر تأرجحها هي أيضاً بين تيّارَي المواجهة مع أميركا والتفاوض معها، سواء في النوويّ أو أدوار أذرعها على الصعيد الإقليميّ. هكذا يصبح الفصام عند “الحزب” ترجمة لذلك الذي تعيشه إيران نفسها. هو فصام يعطّل التوجّه التفاوضيّ مع الغرب، ويحول دون ترجمة استخلاص دروس الحرب لدى “الحزب” إلى نهج واقعيّ قابل للتنازلات يدعو إليه ضمناً البعض الآخر من قادته.
التّنازل يهدّد النّظام؟
يردّ المراقبون التصلّب الإيرانيّ إلى أسباب عدّة:
استُبعدت عن قمّة شرم الشيخ للسلام التي حضرتها 59 دولة غربيّة وعربيّة وإسلاميّة. ويجري الحديث عن تشكيل “قوّة الاستقرار” في القطاع التي وعد دونالد ترامب بإعلانها مطلع 2026، وعن صيغة لسحب سلاح “حماس” بغياب راعيها الإيرانيّ، ويجري التحضير لإعلان واشنطن “مجلس السلام” وفق خطّة ترامب، من دون أيّ دور لطهران، التي كانت تأمل نيل شراكة إقليميّة في إدارة شؤون المنطقة.
بدلاً من ذلك تستكمل واشنطن تجريد طهران من قدرة الالتفاف على العقوبات، لا سيما ضمن مناطق النفوذ في العراق ولبنان، التي بنتها بصبر وتضحيات وتمويل أنهك اقتصادها المريض. لذلك تتشدّد إيران في لبنان لاستدراج واشنطن إلى التفاوض، الجامد حاليّاً.
العقوبات الغربيّة تعزّز الفساد؟
أضاف غني نجاد: “تفرض العقوبات بحكم الواقع اللجوء إلى التحايل، وهو ما يفتح الباب لعمولات غير شفّافة”، معتبراً أنّ “صفقات نقلٍ نفطيّة غامضة وتداخلِ مصالحَ يُنتِجُان فساداً عميقاً لا يمكن ضبطُهُ بالرقابة أو النصائح الأخلاقيّة، ولذلك يرفع استمرار العقوبات كلفة كلّ نشاط اقتصاديّ، ويُضيّق مساحة التجّار والمنتجين ويخلق بيئة شبيهة بالتجربة الكوبيّة، حيث يُصبح الاقتصاد مغلقاً ومقيّداً”.
ينتهي الخبير الاقتصاديّ نفسه إلى دعوة الدبلوماسيّة الإيرانيّة إلى “نهج اقتصاديّ براغماتيّ يفتح باب الحوار مع المؤسّسات والقطاع الخاص في الدول الغربيّة، ويطرح حلولاً لتخفيف أو رفع العقوبات”.