المصدر: المدن
الكاتب: رنا البايع
الثلاثاء 18 تشرين الثاني 2025 12:55:52
في جبل لبنان، فتاة بطلة قرّرت عدم السّكوت، واختارت المواجهة وفضح المستور عن أب يفترض أنّه سند وملجأ وحضن دافئ، لكنّه في الحقيقة وخلف الأبواب المغلقة وحش بشري يعنّف أولاده الأربعة جسدياً وجنسياً. وبعد أن أبلغت الجهات المخّتصة عن ممارساته التي لا تمتّ للأبوّة بصلة، أوقفت قوى الأمن الداخلي الأب، لبنانيّ مواليد 1975، بناءً على إشارة القضاء المختص.
تزامن هذا الخبر مع اليوم العالمي للوقاية من العنف والاستغلال الجنسي للأطفال، وأثار موجة غضب واستنكار واسعة في المجتمع اللبناني، وتعاطفاً كبيراً مع الأولاد الأربعة الذين تعرّضوا لانتهاكات جسدية ولفظية من والد مجرم بلا أخلاق.
باتت القضية في عهدة قاضي الأحداث في جبل لبنان الذي أسّس ملف حماية للفتاة القاصر بغية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وذلك ريثما تتضّح الصّورة ويصار إلى محاكمة الأب ويقرّر مصير الأولاد. علماً أن الأمّ، وبحسب مصادر خاصة لـ"المدن"، منفصلة عن زوجها منذ سنوات وبالكاد يسمح لها أن ترى أولادها مرّة في السّنة.
تتعرض للتحرش منذ طفولتها
لا تخلو قصة الأخت الكبرى الشجاعة التي قرّرت الدّفاع عن أخواتها من غصّة. فهي تتعرّض منذ سنوات طفولتها للتحرّش الجنسي والعنف الجسدي واللّفظي من والدها. ووفق معلومات خاصة لـ"المدن" أبلغت الأخت الصغرى القاصر شقيقتها البالغة من العمر 18 عامًا عن محاولات تحرش والدها. وبعد تبادل المعلومات بينهنّ، تبيّن أنّ جميع الأخوات - والصبي أيضًا - كانوا يعانون من الانتهاكات نفسها لكنهم التزموا الصمت خوفاً من غضب والدهم والخجل من المجتمع المحيط. لكن الأخت الكبرى، عندما استشعرت خطر والدها على أختها القاصر، قرّرت بشجاعة تامة ومن دون خوف من عواقب، أن تبلّغ وتضع حدّاً نهائياً لما يحصل في البيت بهدف حماية إخوتها. لم تكن تريد أن تلقى أختها القاصر المصير نفسه لتعاني مثلها طوال سنوات مراهقتها.
وهكذا علا صوتها، وأبلغت عن والدها المتحرّش، فتولّى مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب التحقيق بالقضية بحضور مندوبة الأحداث فاطمة أيوب التي حضرت التحقيق مع الطفلة القاصر حين أدلت بشهادتها. وتبعاً لذلك نفّدت دورية من المكتب عملية التوقيف بتاريخ 2025-11-4، وقد أودع الجاني في فصيلة حبيش في بيروت.
وفي سياق متّصل، أكّدت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان "أنّ حماية القاصرين مسؤولية مشتركة، وأنّ التبليغ الفوري عن أي اعتداء هو السبيل الوحيد لمنع تكراره، مشدّدة على أنّ الصمت يتيح للمعتدي الاستمرار من دون رادع، وداعيةً كل من يتعرّض لأي تحرّش أو عنف إلى التوجّه مباشرة إلى الجهات المختصة".
تأمين السلامة النفسية والجسدية
حالات كثيرة مشابهة بشكلها ومضمونها تبقى طيّ الكتمان، بعيدة عن الإعلام لأن الخوف يكبّل إرادة البوح ويمنع طلب المساعدة. في هذا الإطار، تشير رئيسة جمعية عدالة للأحداث نايلة أبي شاهين أنّ قضية الوالد المتحرّش ليست حالة استثنائية ولكن هذه القضية تحديداً تظهر حجم المعاناة التي عاشها الضحايا كأطفال واليوم بعد أن أصبحوا راشدين.
وتؤكّد أنّ سرية التحقيق مطلوبة في هكذا ملفات والأولوية لحماية الضحايا وتأمين سلامتهم الجسدية والنفسية، ولضمان مهنية التحقيق والمحاسبة القانونية للأب المعتدي.
وتلفت إلى أن القضية ستسلك المسار القضائي وستقوم جمعيات متخصّصة متعاقدة مع وزارة العدل بمتابعة الملف. وعن العقوبة، تقول أبي شاهين أن القانون اللبناني يشدّد على العقوبة في حال الاعتداء الجنسي لا سيما على القاصرين، وقد تصل إلى الأشغال الشاقة المؤقتة، أمّا في حال التحرّش الجنسي فتتراوح العقوبة من شهر لسنة أو سنتين حسب القضية. أما إذا كان المعتدي من أصول الطفل أو له سلطة عليه تصبح العقوبة أقسى وأطول. وتناشد الدولة أن تكون أنظمة الحماية أكثر والمسارات القضائية تكون أسرع لأنّ التأخير يؤثّر سلباً على الأولاد.
في اليوم العالمي للوقاية من العنف والاستغلال الجنسي للأطفال، تؤكّد أبي شاهين أهمية الوقاية من خلال توعية الولد على حدود جسده وكيف يقول لا، كذلك توعية الأهل على الانتباه للعلامات الواضحة على أولادهم وكيفية التصرّف معهم من دون ترهيبهم وفتح باب التواصل ليعبّر الطفل عمّا يحصل معه أو عمّا يضايقه.
وتضيف: "حماية الطفل هي مسؤولية مجتمع كامل ونحن كجمعية عدالة ندعو الأهل والمربّين والمدارس والمؤسسات لخلق مساحات آمنة للولد، أن يسمعوه ويصدّقوه ولا يستهينوا بإشارات وتصرفات غير مألوفة، فكلّ ولد له الحقّ بالعيش بأمان ومن دون استغلال وخوف والاعتداء عليه خط أحمر".