فوز ممداني في نيويورك... صدمة في طهران

تشير الانتخابات الأخيرة في نيويورك إلى تحولات واضحة في السياسة الأميركية، وتحمل دروسًا مهمة للشباب والسياسة في إيران والمنطقة، سواء من ناحية الديموقراطية أو دور الشباب في القيادة السياسية.

درس للشباب والسياسة
أشار الكاتب يد الله إسلامي في صحيفة ستاره صبح إلى أن فوز زهران ممداني، الشاب المسلم الشيعي الاشتراكي من أصول هندية، بمنصب عمدة نيويورك، يحمل رسائل سياسية واضحة للعالم وللشباب في كل مكان. فقد استطاع ممداني الانتصار على خصمه الجمهوري القوي، بالرغم من تحريض الرئيس دونالد ترامب وقوى المال والنفوذ ضده، ليصبح رمزًا للجيل الجديد الذي يثور بهدوء على السياسات التقليدية والنخبة القديمة. إذ يمثل ممداني جيلًا لا يخفي هويته ولا يخشى التعبير عن آرائه، حتى في القضايا الحساسة مثل الأوضاع في غزة. كما أنه يولي اهتمامًا لحياة المواطنين اليومية، ويواجه رأس المال والنفوذ الإعلامي، مستفيدًا من قوة وسائل التواصل الاجتماعي لإحداث تغيير حقيقي، وصياغة روابط بين الشباب تؤسس لقيادة جديدة وفعّالة.

 

وأشار إسلامي إلى أن هذه التجربة تحمل درسًا مهمًا لإيران، فإن الإصلاح السياسي يحتاج إلى تجديد النخبة وإشراك الشباب المبدع والكفي، بدلاً من ترك السلطة محصورة في أيدي جيل الثورة الذي يسيطر على المناصب منذ عقود. ففوز ممداني ليس مجرد حدث انتخابي، بل رمز للديموقراطية الحقيقية واحتفاء بالكفاءة والشجاعة، ويؤكد أن احتكار السلطة يعيق تقدم المجتمعات، بينما إشراك الشباب يجدد الحياة السياسية ويضمن استمراريتها.

نظرة إيجابية نحو الغرب
الكاتب والسياسي الإصلاحي رحمت‌ الله بيكديلي، أشار في صحيفة "آرمان امروز" إلى ضرورة مراجعة النظرة الإيرانية تجاه الغرب، معتبرًا أن التعامل الحالي – سواء بالانبهار أو العداء – خطأ من الجانبين. مستشهداً بانتخاب ممداني المهاجر عمدةً لمدينة نيويورك رغم معارضة ترامب، ليبرهن على قدرة النظام الديموقراطي الأميركي على استيعاب التنوّع، وهو ما يعدّ من نقاط قوة الغرب التي لم تستفد منها إيران.

وانتقد بيكديلي النظرتين المتطرفتين داخل المجتمع الإيراني: المتغرّبون يقبلون الحضارة الغربية دون نقد أو تمييز. والمعادون للغرب يرفضونها بالكامل دون إدراك لما تحمله من منجزات إنسانية.

ويؤكد أن النهج الصحيح هو الانتقائي الواعي: أي تقبّل الجوانب الإيجابية للحضارة الغربية – مثل العقلانية العلمية، التقنية، الديمقراطية، الحكم الرشيد، وسيادة القانون – مع الحفاظ على القيم الأخلاقية والثقافية للمجتمعات الإسلامية. وحذّر من أن الانغلاق الكامل سيجعل الغرب يفرض قيمه وسلوكه على الشعوب بطريقة قسرية، بينما التفاعل الواعي يمكن أن يحوّل تلك المنجزات إلى أدوات قوة داخلية.

مفاجأة في نيويورك
ويرى الكاتب سعيد نورمحمدي، في صحيفة آرمان ملي، أن فوز ممداني بمنصب عمدة نيويورك يُثير الكثير من التحليلات في إيران، لكنه ليس نموذجًا قابلاً للمقارنة مع الواقع السياسي الإيراني. أهم الفروق تكمن في البنية السياسية ونظام الانتخابات، حيث في الولايات المتحدة، الأحزاب تلعب الدور المركزي، وتتيح للمواطنين المشاركة الفعلية في عملية اتخاذ القرار، بما في ذلك المنافسة داخل الأحزاب نفسها.

أما في إيران، الأحزاب تتمتع بدور ثانوي وهامشي، وغالبًا ما تكون أحزابًا عائلية أو محفلية بلا قاعدة اجتماعية حقيقية، وتفتقر للنفوذ القانوني والفعلي.

وأشار نورمحمدي إلى أن النظام الإيراني يعتمد على الروابط الشخصية وحلقات النفوذ بدل النشاط الحزبي المنظم، ما يؤدي إلى تعيينات ومحسوبية بدل الكفاءة والجدارة. مثال واضح على ذلك تعيين أحد أقارب أحد أعضاء مجلس النواب في إدارة شركة صناعية، وهو نمط يظهر حتى في الحكومة الحالية التي تُعد إصلاحية.

وأضاف الناشط الإصلاحي: "حتى لو توفرت مجموعة شابة ومجتهدة، لن تستطيع تغيير مسار السياسة دون إصلاح شامل في البنية السياسية والإدارية والانتخابية، وتمكين الأحزاب من الانتقال من دور شكلي إلى دور فعلي مؤثر".