فوضى في قطاع الإيجارات في لبنان: الحُكم للدولار

"إذا تلف أي شيء في المنزل عن طريق الخطأ ، سوف يوازي سعر إصلاحه سعر إيجار الشقّة الشهري"، بهذه العبارة تلقّى صالح(35 سنة) رفض مالك المنزل الذي يستأجره تجديد عقده، فراح يبحث عن سكنٍ جديد له ولعائلته.

صالح المستأجر منذ العام 2018 وفق عقد مدّته ثلاث سنوات، سجله لدى كاتب العدل في قضاء عاليه كان يدفع 600 ألف ليرة لبنانية (400 دولار في حينها) شهرياً. انتهى العقد عام 2021 وبدأت مغامرة البحث عن مسكن جديد.

امتناع عن التأجير
"معظم المالكين امتنعوا عن تأجير منازلهم أملاً منهم في حينها أن يتّضح المشهد وتعود الأمور المالية لطبيعتها"، يقول صالح لـ"المدن".  يضيف "بعد انتهاء العقد في خريف 2021، كان أصحاب الملك إما يطلبون أسعار إيجار خيالية ، أو يضعون شروطاً تعجيزية. وبعد جُهد استأجر منزلا بـ 250 دولاراً، قابلا للتجديد بعد ثلاث سنوات. وعاد المالك وامتنع عن تنفيذ الاتفاق فاضاف 100 دولار عن السنة الثانية ليصل المبلغ إلى 450 دولاراً في السنة الثالثة.  

بين الدولار الرسمي والمنصة
هذا المشهد هو جزء من واقع قطاع العقارات الفوضوي، وتحديداً الإيجارات خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة. تكمن المعضلة في الازمة المالية وغياب التشريعات الواضحة خصوصًا مع تعدد أسعار الصرف بين الرسمي وصيرفة وغيرها. فالمالك غالباً ما يريد اعتماد سعر صرف السوق السوداء أو المنصة، والمستأجر يتمسك بسعر الصرف الرسمي أي الـ 1507، أو اليوم على سعر الـ 15000 .

حالياً، انتهت مدّة عقود الايجارات القديمة تقريباً. وفي الجديدة منها، يبرز تخفيض القيمة شرط تسديدها على سعر المنصة أو سعر السوق السوداء، او بالدولار الأميركي "الفريش".
فالبيت الذي كانت قيمة إيجاره ألف دولار مثلا، انخفضت إلى 400 على سعر المنصة.

يقول الخبير العقاري المهندس خليل قاسم أنّ "الحركة العقارية كانت جيّدة من العام 2010 لغاية 2017 حيث كانت المصارف تقدّم قروضاً مدعومة للمزراعين والصناعيين والتجّار وهو ما ساهم بالنمو التجاري. إنّما بدأ الانحدار في العام 2017، حيث تراجعت التحويلات المالية الكبيرة من الخارج. تلا ذلك أحداث 2019 وأزمة المصارف وما وصلت إليه البلاد من أزمات متراكمة". ويعتبر أن "الاستقرار الامني والمالي والمصرفي هو المحرك الاساسي للوضع الاقتصادي في لبنان، فإذا حجز المصرف على أموال المودعين لا تتحرك العجلة الاقتصادية".

ويرى قاسم أنّ "السياحة تساهم إلى حد ما في تفعيل حركة الإيجارات. فكثر من السيّاح أو المغتربين يساهمون في ضخّ الدولار "الفريش" من خلال استئجار الشقق او الشاليهات".

"نحن أهل ...عيب نعمل عقد"
يشكو عدد من المستأجرين لـ "المدن" ان بعضاً من المؤجرين يبتزونهم مطالبين الدفع بالدولار خصوصاً عند معرفتهم أنّ هناك مغترب يرسل إليهم أموالاً بالعملة الصعبة. وداد مثلاً، كانت من المستأجرين من دون عقد على قاعدة "نحن أهل عيب نعمل عقد". تعيش وداد (66 سنة) في قريةٍ نائية في جنوب لبنان، حيث كانت تسدّد 300 ألف ليرة (200 دولار سابقاً)، وهو سعر ليس بقليلٍ نسبة إلى المنطقة. "مع تفاقم الأزمة، وافقت على طلب المالك بدفع 50 دولار شهرياً، إلّا أنّه تغيّر الحال مع عودة ابني المغترب إلى القرية"، تقول وداد لـ"المدن". فقد طالبها المالك، حينها، بـ 150 دولاراً شهرياً "بشكل مفاجئ"، بحسب وصفها. فتركت المنزل بحثاً عن آخر قريب من مسكن أولادها، على أن يكون عقد الإيجار فيه واضح وصريح .

محاولات التأقلم 
يعتبر الوسيط العقاري صادق الأمين أنّ "الحركة العقارية عادت للاستقرار نسبياً في الشهرين الماضيين. فالناس تحاول التأقلم والمالك والمستاجر يحاولان تفهم بعضهما ولو كان الأمر ليس سهلا في هذه الظروف غير المستقرّة. ومع ذلك يحاول الطرفان توضيح حقوقهما والغتفاق على الشروط مسبقاً".

ويقول الأمين لـ"المدن" أنه يعتمد اليوم استراتيجية مختلفة عمّا كان يعتمده في السابق. فهو لا يتعامل مع أناس ليس على معرفة بهم. فـ "قانون الايجارات لا يحمي لا المالك ولا المستأجر. وهناك الكثير من البدع والتجاوزات". 

يغيب عن المالك والمستأجر التوعية القانونية التي تسهّل عمليات الإيجارات والعقود وتحفظ حقوق الطرفين في ظلّ غياب للقوانين الناظمة العادلة التي تحمي الجميع. فالمستأجر، عموما، لا يملك الإمكانيات لاستشارة خبير قانوني مثلاً وهو ليس على دراية بالقانون ولا يعرف على أي مرجعية يستند. وكذلك المالك الذي يبدو ظالماً في حالات ومظلوماً في أخرى وسط ازمة حالكة تشتدّ على جميع اللبنانيين مع غياب للتشريعات المنصفة وآليات الدفاع عن الحقوق.